عادي
شخصيات

الإسباني بايي إنكلان..روائي يعيش خلف قناع

00:44 صباحا
قراءة 3 دقائق
تمثال لبايي إنكلان

القاهرة: «الخليج»
أصدر المركز القومي للترجمة مجموعة الكاتب الإسباني رامون ماريا دل بايي إنكلان (28 أكتوبر 1866 – 5 يناير 1936) القصصية وعنوانها «حديقة موحشة» ترجمة وتقديم محمد إبراهيم مبروك، وتضم ثلاث روايات قصيرة ومشهدين دراميين و12 قصة قصيرة، والشخصيات التي تمثل الأبطال لهذه الروايات الثلاث هنّ: شابات جميلات من الطبقة العليا، ضحايا بريئات وقعن ضحايا لأعمال السحر.

هذه القصص كلها تجري وقائعها في جوٍّ مشبع بالأساطير، إذ يعتقد الناس فيها بالفطرة، فيصدقونها ويتكتمون على وقائعها، ويحاولون أن يتقوا شر العين، ويتعلقون في حياتهم بالتفاؤل والتشاؤم، ويرسخ ذلك في أرواحهم، تحلقهم في الليالي حالكة الظلمة شديدة البرودة، حول نيران المواقد للتدفئة، بينما يسمعون الريح في الخارج، يتسلل إليهم هزيمها من المداخن، إذ تكثر تعليقاتهم حول السحر والأرواح المعذبة والشياطين، ويرددونها ويزيدون ويعيدون في تفاصيلها.

في هذا الجو بأساطيره الغامضة قضى رامون بايي طفولته وفتح عينيه على جو يطبق عليه الضباب وتحاصره الأمطار، وأول ما التقطته أذناه كان حكايات عن أعمال السحر والأرواح الشريرة، وكيف تنتقل بين الناس متخذة شكل حيوانات أو أطياف بشر، تتناقلها العجائز، ويحكينها كروايات شعبية أو أحداث متخيلة عن وقائع في أزمنة سحيقة، انتقلت إلى رامون في طفولته، كما حكى لنا في مدخل «حديقة متوحشة» عن جدته العجوز الطاعنة في السنّ، التي كانت تقضي الساعات وهي تغزل بجوار النافذة، وتحكي قصصاً عن قديسين ونفوس معذبة ولصوص.

يقول رامون: «الآن أنا أحكي تلك القصص التي كانت تحكيها لي، بينما كانت أصابعها الملأى بالتجاعيد تدير المغزل، تلك الحكايات كانت تفزعني في الليل خلال سنوات طفولتي، ولذلك لم يدركها النسيان، ولا تزال من وقت لآخر تلحّ على ذاكرتي، كما لو أن ريحاً صامتة وباردة تمر فوقها، لها نفس الحفيف لأوراق شجر جافة تتساقط».

هذه الحكايات المأخوذة من التراث الشعبي المحكي شفاهة، قدمت لنا - وقد تمت إعادة صياغتها بروح مبدع ومن خلال أسلوبه الذي يمتاز بقدرته الفائقة – نصوصاً أدبية، كتبت بعناية وطاقة شعرية وخيال متوهج، وعلى الرغم من صياغته الماهرة لم يبعدنا الكاتب عن روح وأجواء تراثه الشعبي الشفاهي، نبعها الأصلي، فقد أصبح بايي إنكلان هو رائد الحداثة في إسبانيا، بما يمتلكه من طاقة شعرية هائلة، تتبدى في كتاباته، سواء كانت أشعاراً أم قصصاً أم مسرحيات أم روايات.

ولد بايي إنكلان في أسرة من أصل نبيل، لم تكن تتمتع بوضع مالي طيب، وفي شبابه ألحقه أبوه بجامعة سانتياجو، إلا أنه لم يحتمل وطأة الدراسة الأكاديمية، إذ انتهز فرصة وفاة والده فترك الدراسة على الفور، وحرر نفسه، وبعد خيبة أمله في علاقة غرامية سافر إلى المكسيك، وكان ذلك بمثابة هروب من هذا الإخفاق إلى بلد به أقلية إسبانية كبيرة، وخلال هذه الرحلة تعرف إلى المنجزات الأدبية لتيار الحداثة، وفي أول عام 1895 نشر أول كتاب له بعنوان «نسائيات» وبعده انتقل إلى مدريد.

كانت سنوات كارثية إلا أنها كانت غنية بنوابغ الأدب الذين تعرف إليهم، وعايشهم من خلال حياته البوهيمية وانخراطه في نقاشات فكرية وأدبية في المنتديات الثقافية وسط ظروف معيشية قاسية، وكان يوصف بأنه: «أجمل قناع يسير على قدمين هو هذا الرجل الذي يعبر شارع القلعة» وكان كثيرون يرونه: «يعيش حياته بشكل مسرحي حتى يمارسها من خلف قناع».

بدأ إنكلان كواحد من المحافظين على التقاليد، وانتهى بأن أصبح ثورياً، يعشق المسرح والتمثيل، وظل مرتبطاً بالكتابة له، وشارك في الحركة السياسية بتأييده ومساندته للحركة الطلابية ما عرضه للاعتقال، ومنعت الرقابة عرض مسرحياته، وكان لذلك كله بالغ الأثر في بلورة رؤيته الجمالية التي تجلت في كل أعماله المسرحية والروائية حتى آخر أيام حياته، وكانت أوائل هذه الأعمال بالغة الوضوح في عمليه الكبيرين: مسرحية «أضواء بوهيمية» وروايته الرائدة لأدب الديكتاتور «بانديراس الطاغية» أول رواية تعالج قضية الديكتاتورية في أمريكا اللاتينية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/278fn56p

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"