هل الحل بطباعة الدولار؟

22:28 مساء
قراءة 3 دقائق

غريغوري تاناكا*

لم يغب وجه التضخم القبيح عن مسرح الأحداث المتصاعدة في الولايات المتحدة، منذ عامين، فكلفة الغذاء آخذة في الارتفاع، والمدن تشهد زيادات كبيرة في الديون، ما يعني أنه يجب عليها تقديم حوافز أعلى لجذب المشترين المستقبليين لسنداتها، ولا ننسى أسعار الوقود المرتفعة ولو لبعض الوقت.

وفي محاولة لدعم الاقتصاد الأوسع، يطبع الاحتياطي الفيدرالي «أوراق الدولار الأمريكي» منذ سنوات، مع الحفاظ على أسعار فائدة منخفضة للغاية. لكن هذا الموقف اليوم لن يؤدي إلا إلى تضخيم الضرر الذي سينفجر على الساحة لاحقاً، عندما تنخفض قيمة الدولار لدرجة أنه لن ترغب أي دولة في شراء سندات الخزانة الأمريكية بعد ذلك. والسؤال المطروح هنا، لماذا بعد كل جولة جديدة من طباعة النقود، يشعر المستهلك الأمريكي العادي بأنه متأخر أكثر فأكثر عن الركب؟

وللإجابة عنه، قدّم الخبير الاقتصادي الفرنسي، ريتشارد كانتيلون، مطلع القرن الثامن عشر، شرحاً بسيطاً يُلخص الوضع المالي الراهن في القرن الحادي والعشرين.

ووجد كانتيلون في أبحاثه أن الطبقة العليا في أي مجتمع تكون دوماً المستفيد والمتلقي الأول للأموال المطبوعة حديثاً، وبعد ذلك تتدفق تلك الأموال إلى سائر الطبقات الاجتماعية بالترتيب، وصولاً إلى الطبقات العاملة والمتقاعدين. وفي كل خطوة على طول الطريق ستفقد الأموال بالفعل قيمتها الاسمية الكبيرة بسبب التضخم الذي يلتهم جزءاً من النقود المطبوعة حديثاً.

وفي حالة الاحتياطي الفيدرالي، اليوم، هذا يعني أن الأموال الجديدة ستتدفق مباشرة إلى المديرين التنفيذيين في البنوك الكبرى وأصدقائهم السياسيين، ثم من هناك إلى مالكي الشركات الكبيرة، وموظفيهم المرموقين، ثم إلى الشركات الصغيرة والعاملين في الخطوط والخدمات، وأخيراً للمتقاعدين والعاطلين عن العمل.

بعبارة أخرى، يُقدم كانتيلون حجة مقنعة مفادها أن أي قرار يتخذه الاحتياطي الفيدرالي لطباعة نقود جديدة سيزيد من اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء. لكن هناك سبب آخر يدعو للقلق، فالتعثر الأخير لبنك وادي السيليكون، ثاني أكبر فشل مصرفي في تاريخ الولايات المتحدة، سيضخم الضرر الذي تشعر به أساساً فئات الطبقة العاملة والمتوسطة والمتقاعدين. كما سيؤدي إلى طباعة الفيدرالي دفعات كبيرة من الدولارات الجديدة في محاولة منه لوقف النزيف في الصناعة المصرفية. ولا ننسى الانعكاسات المالية السريعة من أزمة البنك على شركات التأمين الكبيرة ومطوري العقارات.

يتضح مما سبق، أن النقود الجديدة التي يطبعها الاحتياطي الفيدرالي لن تكون كافية لوقف النزيف المصرفي. لذا، تماماً كما حدث في الأزمة المالية العالمية بين عامي 2008 و2010، ستشعر البنوك بأنها مضطرة للذهاب إلى الكونغرس بتواضع لتسول الأموال.

وبسبب شبح الانهيار المالي الوشيك، ستخبر البنوك الكونغرس أنه لا خيار أمامها سوى قبول «خطة إنقاذ» ضخمة وفورية أخرى. وعلى الرغم من معارضة الناخبين الصاخبة لعملية الإنقاذ الثانية، سيجد المشرعون الأمريكيون أنفسهم في حالة رضوخ تام لطلب البنوك مرة أخرى، لأنه ببساطة شديدة، سوف يُقوض الركود الاقتصادي العميق أو الكساد الاقتصادي الناجم عن فشلها فرص إعادة انتخاب أعضاء الكونغرس في شقّيه (الشيوخ والنواب).

وعلى فرض الموافقة، فمن أين سيحصل الكونغرس على الأموال اللازمة لتسديد تلك الفاتورة الباهظة؟ فإما أن تضطر حكومة الولايات المتحدة إلى الغوص أكثر في بحر الديون، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى رفع أسعار الفائدة وزيادة التضخم، وإما سيتعين عليها فرض ضرائب أعلى على الأمريكيين. وتكمن المشكلة في أنه منذ خمسة عشر عاماً، أصبح دافعو الضرائب الأمريكيون على دراية تامة بشأن ميل المؤسسة الدستورية الأولى في الولايات المتحدة لإنقاذ المؤسسات المالية «بحُزم دعم فائقة»، وبالتالي من المرجح جداً أن يثير الناخبون بلبلة بشأن إمكانية تطبيق خطة إنقاذ ثانية.

إذن، وبسبب الأزمة المالية الحالية، سيُجبر دافعوا الضرائب على الاختيار بين حلّين أحلاهما مرّ: الأول، متمثل في طباعة رزم الدولارات الجديدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي لإغراق النظام بالمال، وتقديم مساعدة محدودة للبنوك، وبالتالي تحفيز التضخم مثلما حذّرنا ريتشارد كانتيلون، ذات مرة. والثاني تمرير الكونغرس لتشريع يمنح من خلاله مساعدات مالية ضخمة للبنوك الكبرى للحد من تدهور الاقتصاد ومنعه من الانهيار.

وفي هذا الصدد، يجب الأخذ في الاعتبار أن أياً من الحلّين السابقين كفيل بإلحاق ضرر كبير بالمواطن الأمريكي العادي. ففي الحالة الأولى، سيتأثر الفرد من التضخم الذي يقضي على راتبه مع زيادة تكاليف المعيشة، وفي الثانية عن طريق زيادة الضرائب عليه لدفع ثمن جولة أخرى من عمليات الإنقاذ المصرفية.

* الأمين العام لقمة توافق الهيمالايا، ومؤلف كتاب «الانهيار النظامي والتجديد»(تشاينا ديلي)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3jd6tsfj

عن الكاتب

الأمين العام لقمة توافق الهيمالايا، ومؤلف كتاب «الانهيار النظامي والتجديد»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"