ضرورة العلوم لتطوير الفنون

00:11 صباحا
قراءة دقيقتين

هل يمكن أن تتطور الفنون بغير علوم؟ إذاً، لماذا تظل حشود من المشتغلين بالفن في العالم العربي واهمةً أن الفن موهبة لا غير؟ أمّا إذا كان صحو الفنانين من سباتهم عسيراً، فعلى المشرفين على الثقافة أن يشيدوا صروح فنون موازية، أن ينظروا إلى الموجود وكأنه افتراضي لا حقيقة له، وأن يبنوا قواعد ما هو أهل لأن يكون فنّاً حقيقيّاً.

المسائل بسيطة فلا نعقّدها. نضرب مثلاً كبيراً، لا لمجرّد الإبهار التعجيزي، ولكن لرؤية الصور بأبعاد ومقاييس عملاقة: هل يستطيع مخرج سينمائي أن يبدع شيئاً مثل «ما بين النجوم» (أنترستلاّر) من غير فيزياء فلكية؟ في هذا المستوى، منظومة متكاملة في سبيل الإبداع: الخيال المجنّح النابع من دراية بأدبيّات العلوم، احترام التخصص بإسناد الجوانب العلميّة إلى عالم كبير في الميدان، الإحاطة بأرقى التقانات والتقنيات، مع الطموح إلى التألق والعالمية المتفرّدة.

قضية ضيق ذات اليد وشحّ الموارد المالية حلّها ليس محالاً، فهي مسألة إدارية، الجمهور ليس مسؤولاً عنها ولا الفن العالمي. لو كان الإبداع في القمّة وكان للفنون في العالم العربي عمل مشترك، لتحقق المثل الشعبي «حمل الجماعة ريش»، ولكانت «يد الله مع الجماعة». المنتجون لا يُرسون قواعد الإبداع أوّلاً، فالمشروع الذي لا شك في شروق شمس نجاحه هو أكبر وسيلة إقناع لأصحاب رؤوس الأموال لكي يستثمروا ويجنوا العائدات السخيّة والصيت. بل يسارع المنتجون إلى الحلول الدنيا، إلى الإثارة التي لا إبداع فيها، فهي استفزاز للمجتمعات في شهر فضيل، أصرّ المنتجون منذ عقود على أن يجعلوه مهرجاناً للمسلسلات، التي يفتقر أغلبها إلى القيم الإبداعية والجمالية والقيمة الفكرية. هذه النشازات تمارس باسم الفن للفن وحرية التعبير. بدعابة غامزة، لك أن تسأل: ما هي مراتب جلّ البلدان العربية في قائمة حرية التعبير العالمية؟

على الموسيقيين أيضاً أن يدركوا استحالة إبداع أجناس موسيقية جادّة عارفة حاضراً ومستقبلاً بالاعتماد على مجرّد الإلمام بالمقامات. الماضي مضى، ولكنّ الموسيقى العربية ظلت تدور في حلقة كالخاتم محدودة، هي الأغنية. عدا قلّة قليلة، ليس للعرب اليوم علوم موسيقية، لا بحوث وتحقيقات علمية، لا تكوين أكاديمي متطور، ولا إبداع تطويري خبير عليم. مقلق أن الأرض العربية لم تعد تنجب أساطين تلحين، فمتى سنبلغ التأليف الموسيقي؟ والمضارب التي تفخر بالشعر على مرّ القرون لم يعد لديها روّاد شعر ولا حتى قدرة على كتابة كلمات أغانٍ جذّابة.

لزوم ما يلزم: النتيجة الضرورية: هذه القضايا في حدّ ذاتها تحتاج إلى همم مراكز بحوث علمية لدراسة المتاهة القهقرائية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/c4adsr4t

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"