قانون الرقائق ونتائجه العكسية

23:55 مساء
قراءة 4 دقائق

آن كروغر*

قدم قانون «الرقائق الإلكترونية والعلوم 2022» الأمريكي إعانات كبيرة للاستثمارات في مرافق تصنيع أشباه الموصلات المحلية، وذلك على اعتبار أن الرقائق ضرورية لاقتصاد الولايات المتحدة والأمن القومي على حد سواء. لكن بينما لا يجادل أحد في أهمية هذه الرقائق (التي تُستخدم في كل شيء تقريباً من صواريخ كروز إلى الثلاجات)، هناك تساؤلات جدية حول ما إذا كان دعم مثل هذه الاستثمارات هو الطريقة المُثلى لتأمين إمدادات موثوقة.
في الواقع، من المحتمل أن تتدهور القدرة التنافسية للولايات المتحدة في صناعة الرقائق بشكل أكبر بسبب القانون. ففي كثير من الأحيان، تسهم مثل هذه التدخلات الحكومية في دعم الخاسرين والمنتجين غير الأكفاء، ما يؤدي إلى الاحتكار وتوجيه القوة السوقية، كما يتم ردع الشركات الجديدة (غير المدعومة) من الانخراط. علاوة على ذلك، في حالة الرقائق، تراجعت الصناعة مع تسريح العمال، وإلغاء أو تأجيل خطط التوسع، وعلامات أخرى على التباطؤ.
وفي ردها على الإعانات الأمريكية الجديدة، أعلنت كوريا الجنوبية مؤخراً عن خطط لدعم استثمار بقيمة 228 مليار دولار من شركة «سامسونغ» التي تعتزم بناء أكبر مجمع لأشباه الموصلات المتقدمة في العالم. وتبنى الاتحاد الأوروبي أيضاً اقتراحاً بتفعيل «قانون الرقائق الأوروبية» بقيمة 43 مليار يورو. وبدأت دول أخرى بطرح أشكال مماثلة من الدعم لصناعاتها الخاصة. ونتيجة لذلك، قد ينتهي الأمر بدافعي الضرائب في الولايات المتحدة إلى تمويل «تخمة رقائق» لا جدوى منها.
وبما أن صناعة أشباه الموصلات اليوم مترابطة عالمياً لدرجة أنه لا يمكن الإنتاج تقريباً بدون آلات ومواد من مصادر دولية متعددة، فتحقيق الاكتفاء الذاتي سيكون مكلفاً للغاية حتى لو كان ممكناً، وهو على الأرجح ليس كذلك.
لطالما كانت الولايات المتحدة رائدة عالمياً في أبحاث وتطوير وتصنيع الرقائق المتقدمة ومعداتها اللازمة، ولسنوات خلت، مثلت أمريكا أكبر حصة في العالم من الإنتاج. ولكن مع مرور الوقت، فقدت حصتها في السوق لصالح شركات في أوروبا وآسيا، حيث تقدر تكاليف الإنتاج بأنها أقل بنسبة 40%. مما دفع «إنتل»، وهي من أوائل الشركات في القطاع، بأن تعلن صراحة عدم قدرتها على المنافسة بدون دعم حقيقي.
ولزيادة الطين بلة، أعلن المنظمون الأمريكيون أيضاً عن معايير قبول قاسية للشركات التي تتقدم بطلب للحصول على الإعانات الحكومية. فمن بين أمور أخرى، يُتوقع من الشركات، أو يتم حثّها على توفير رعاية الأطفال لموظفيها، والامتناع عن إعادة شراء الأسهم، وتقديم توقعات للأرباح المستقبلية حتى تتمكن الحكومة من التخلص من أي هوامش زائدة.
كل هذه الإجراءات غير حكيمة. فمطالبة الشركات بدفع تكاليف رعاية الأطفال للموظفين لا يمكن أن تنجح في خفض تكاليف إنتاج الرقائق، ما يلغي الغرض الحقيقي من الإعانة نفسها. كما أنه ليس من المنطقي تطبيق ذلك على صناعة تتعرض قدرتها التنافسية بالفعل لتحديات كبيرة. فبقدر ما تكون مزايا رعاية الأطفال جذابة للعمال، يمكن للشركات أن توفرها بدلاً من الأجر الأعلى، أو يمكن للكونغرس أن يُشرعها بالقانون لجميع الأسر العاملة، كما هي الحال بالفعل مع الرعاية الصحية.
كما أن شرط الامتناع عن إعادة شراء الأسهم معيب أيضاً ومصدر آخر لعدم الكفاءة. فوفقاً لوزيرة التجارة الأمريكية جينا رايموندو، يحق للمسجلين في قوائم الدعم الحكومي وفقاً لقانون «الرقائق الإلكترونية والعلوم 2022» الحصول على معاملة تفضيلية إذا التزموا بعدم الانخراط في عمليات إعادة الشراء لمدة خمس سنوات.
من الفوائد المجتمعية العظيمة للهيكل المؤسساتي الحديث لإعادة شراء الأسهم أنه يُمكّن المستثمرين من تحويل الأموال من المؤسسات الضعيفة إلى الشركات ذات الآفاق الأفضل. وهكذا أصبحت عمليات إعادة شراء الأسهم آلية يمكن للمستثمرين من خلالها جني مكاسبهم والاستثمار في أعمال أخرى دون تكبد ضرائب مزدوجة. لذا، فإن أي تثبيط لعمليات إعادة الشراء سيحث الشركات على إعادة استثمار أرباحها حتى لو كانت توقعات ذلك غير واعدة. وإذا كان الهدف هو تعزيز القدرة التنافسية الأمريكية، فلا ينبغي أن تكون هناك عقبات إضافية لتخصيص الاستثمارات نحو الأمور ذات المصلحة المشتركة للبلاد.
ومن المحتمل أن يكون لفرض الضرائب على الأرباح «الزائدة» آثار ضارة أيضاً. ففي الصناعات التي تركز على التكنولوجيا، غالباً ما تحتفظ الشركات بمحفظة متنوعة من الاستثمارات المحفوفة بالمخاطر، بعضها ينجح والآخر يفشل أو يعاني. ولمواجهة ضريبة النجاح، ربما تقرر شركات الرقائق إما نقل موقع أبحاثها إلى الخارج أو تقليل حجم مخاطر البحث والتطوير الخاص بها.
سيتعين على الشركات التي تستفيد من الإعانات بالتأكيد تقديم تقارير مكثفة عن عملياتها إلى حكومة الولايات المتحدة، والتي بدورها ستحتاج إلى مراقبة المستفيدين وتحديد من سيقدم القروض أو المنح في المقام الأول. وسيؤدي كلا النشاطين إلى زيادة التكاليف على دافعي الضرائب.
وعليه أرى ضرورة إلغاء كل هذه الأحكام التنظيمية غير الضرورية، وإدخال نظام إنتاج وتداول الرقائق بين الحلفاء كطريقة أفضل بكثير لضمان إمدادات موثوقة، وكذلك تمويل برامج تدريب العاملين في القطاع. وإذا كان الهدف هو تأمين الإمداد بمدخلات مهمة، فإن آخر شيء تحتاج إليه الصناعة هو العبء الإضافي لتكاليف رعاية الأطفال، والقيود المفروضة على المدفوعات للمساهمين، والضرائب المفرطة.
*كبيرة الاقتصاديين السابقة بالبنك الدولي، ونائب العضو المنتدب سابقاً لصندوق النقد الدولي، وأستاذة الأبحاث الاقتصادية في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز (بروجيكت سيندكيت)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/22smcta6

عن الكاتب

*كبيرة الاقتصاديين السابقة بالبنك الدولي، ونائب العضو المنتدب سابقاً لصندوق النقد الدولي، وأستاذة الأبحاث الاقتصادية في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز (بروجيكت سيندكيت)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"