عناوين جديدة للاهتمامات الدولية

00:25 صباحا
قراءة 3 دقائق

جميل مطر

على امتداد علاقتي بمسائل الصراع لم أقابل من المجتمع الدولي اهتماماً، أو قل مبالاة، بعدد القتلى والخسائر المادية المباشرة في صراع كبير أو صغير مثلما قابلت وأقابل في الحالة الراهنة، حالة الحرب الأوكرانية. تكاد لا توجد دولة واحدة لم تجأر بالشكوى لإصابة اقتصادها بخسائر هائلة نتيجة حرب لم تسعَ إليها أو تشترك فيها.   

  اللافت أن هذه الدول التي تواجه بسبب هذه الحرب ولأسباب أخرى مشكلات عويصة في الجانب الاقتصادي أو في الجوانب الاجتماعية والسياسية والسكانية أو في كلها معاً تجد نفسها الآن، أي بعد مرور أكثر من سنة على نشوبها، مشدودة إلى قضايا أخرى.

  تابعت عن بعد النقاشات الدائرة في بعض مراكز البحث والعصف الفكري وصنع الرأي في أوروبا وبعض آخر في الولايات المتحدة، راعني سرعة تبدل القناعات حول مسيرة هذه الحرب. أفهم، أو أتفهم، بطبيعة الحال انبهار بعض الباحثين من دول مثل السويد وفنلندا بالفرصة التي أتاحتها لهم هذه الحرب، ليتوقفوا عن ترددهم في المشاركة في أنشطة حلف الأطلسي أو في الانضمام إليه. 

  الآن يتضح لنا أن الأمور المتعلقة بالحرب الأوكرانية وتطوراتها ليست كما تبدو للبعض سلسة وواضحة وبالتأكيد لم تعد تحتكر الاهتمام. هناك رأي متزايد التردد بين باحثين أوروبيين يعتقد بأنه لا يوجد ما يبرر الانشراح الأمريكي بالتوحد الأوروبي الداعم لأمريكا والحلف، فهذا التوحد إن وجد فلفترة قصيرة. وجد في السنة الأولى للحرب حينما كان الأوكرانيون يحققون انتصارات أذهلت الكثيرين، انتصارات تضخمت بالمبالغة الإعلامية التي قادتها أمريكا أو بتراخي القوات الروسية أو بالتدريب المكثف لأوكرانيين خلال السنوات السابقة مباشرة على الحرب. 

   يُقلق واشنطن الصعود الرتيب والمرتب للصين. يقلقها أكثر الاقتراب أو التقرب الروسي من بكين. أظن أن المخططين الأمريكيين لاستراتيجية العودة بأمريكا إلى مكانة القطب الأوحد تزعجهم حقيقة أن الحرب ضد روسيا طالت أكثر مما خطط لها أن تطول رجال الحرب في أمريكا. أعتقد أيضاً بأنها بدأت تنتج ما لم يدخل في أذهان المخططين الأوائل. كان الظن أو التوقع أنها، أي روسيا، كما حدث لها في نهاية الحقبة السوفييتية، لن تتحمل الضغوط الاقتصادية، فتنتهي بها الحال معتزلة المنافسة وخارجة عن السباق وربما دولة فاشلة كما بدت للأمريكيين في عهد يلتسين. هنا يجدر بأن يتساءل المراقبون عن جدوى إطالة الحرب بعد أن ثبت أن روسيا تجدد قواها مع تمدد الحرب واستمرار المقاطعة، وأن التذمر في صفوف بعض شعوب الحلف الغربي يزداد.

  خارج أوروبا، وبعبارة أدق خارج ساحات ما يعرف بالغرب، يبدو واضحاً الميل السياسي المتزايد نحو الحياد بين الأقطاب بوضعهم الراهن وفي المستقبل. هذا الميل أراه، ويراه مراقبون غيري، تجديداً إيجابياً في توجهات ومبادئ حركة عدم الانحياز.    

   إفريقيا في معظم نواحيها تغلي بالغضب ضد الدول الغربية وبخاصة فرنسا الموصومة بالنموذج الاستعماري غير القابل للتجديد أو حتى التطور. 

  المثال السوداني يجمع في حد ذاته عناوين معظم القضايا الإقليمية والدولية التي تعكس بكل الصراحة والصدق الحال الانتقالية التي يمر بها النظام الدولي في طريقه للرحيل. من هذه العناوين عنوان إفريقيا التي تطالب بإعادة النظر في ميثاق الأمم المتحدة بما يضمن التمثيل المناسب لها في مواقع القرار الدولي.

 أتصور أننا سوف نشهد قريباً حوارات إقليمية، ودولية بطبيعة الحال، تناقش اقتراحات بدائل للتنظيم الإقليمي بشكله الراهن. أتنبأ من موقعي، غير المسؤول، بأن الدول الإفريقية والعربية سوف تلجأ إلى تشكيل منظمات فرعية أو ثانوية عابرة للإقليم يكون لها من الصلاحيات والشرعية ما لا يجعلها تبدو متناقضة مع أهداف المنظمة الإقليمية الأم أو أهداف المنظمة الدولية الأرحب، بعد تطويرهما.

  دول كثيرة قد تفضل العمل على إبقاء النزاع الناشب في السودان داخل دائرة صراع رجلين على السلطة في الخرطوم وبذل كل الضغوط الممكنة لمنع أطراف إقليمية أو دولية من التدخل في الشأن السوداني. النزاع السوداني، من وجهة النظر هذه، أكبر وأخطر وأكثر تعددية قبلية وعرقية يتصاعد لخدمة مصالح خارجية متنافسة.

   أرى، على القرب، عناوين عن أوكرانيا تتوارى حتى تكاد تختفي وعناوين عن عالم نامٍ ناهض، يسعى بطرق شتى باحثاً عن موطئ قدم له في قمة عالم خضع طويلاً لإرادة دولة عظمى واحدة، ويتمنى أن يشارك هذه المرة في وضع قواعد يخضع لها كل الأقطاب دون تمييز.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yckpnm9r

عن الكاتب

دبلوماسي مصري سابق وكاتب متخصص بقضايا العلاقات الدولية. اشترك في تأسيس مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بمؤسسة الأهرام. وأنشأ في القاهرة المركز العربي لبحوث التنمية والمستقبل. عضو في مجلس تحرير جريدة الشروق المصرية ومشرف على صفحة الرأي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"