عادي
ويليام بوجيرو رسام الفرح

«جامعتا البندق».. البراءة تلهو في الريف

16:37 مساء
قراءة 4 دقائق
الشارقة: عثمان حسن
الفرنسي ويليام أدولف بوجيرو (1825-1905)، هو شخصية بارزة في الرسم الأكاديمي بفرنسا خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
التحق بوجيرو بمدرسة الفنون الجميلة في روما عام 1846 وحصل على جائزة بريكس دي روما عام 1850. عند عودته إلى فرنسا اشتهر بلوحاته التي تتناول مواضيع أسطورية وباتت تجذب العديد من المتابعين، لكنه اهتم أكثر باللوحات الشخصية التي زادت من جماهيريته بما فيها من واقعية عالية الدقة، وتجسيد للموضوع العاطفي والإنساني، مع تقدم حياته الفنية حصل بوجيرو على العديد من التكريمات في ستينيات وسبعينيات القرن التاسع عشر.
عرض بوجيرو لوحاته وبانتظام في الصالون الفرنسي ولعدة عقود، وأصبح لفترة من الوقت أشهر رسام فرنسي في عصره. لعب دوراً رئيسياً في استبعاد أعمال الانطباعيين وغيرهم من الرسامين التجريبيين من الصالون. في سنواته الأخيرة، قام بتزيين العديد من الكنائس الباريسية بأسلوب ما قبل الرفائيلية. كان له نفوذ واسع في الوسط الفني ليس فقط في فرنسا، ولكن في العديد من دول العالم، ولا سيما الولايات المتحدة. في عام 1876 أصبح عضواً في أكاديمية الفنون الجميلة بفرنسا.
خلال شهرته الفنية رسم بوجيرو الكثير من البورتريهات لنساء وأطفال يعيشون ببساطة في البيئات الفلاحية أو الزراعية، واعتبرت هذه اللوحات في نظر النقاد نموذجاً رائعاً للفن الأكاديمي، ومن هذه اللوحات واحدة تدعى «جامعتا البندق» رسمها بوجيرو في عام 1882، وهذه اللوحة محفوظة اليوم ضمن مجموعة معهد «ديترويت» للفنون.. وعلى خلاف معظم الفنانين الآخرين في عصره، فقد كان بوجيرو يتمتع بشعبية جارفة خلال فترة حياته.
  • فرح
«جامعتا البندق»، هي لوحة تصور فتاتين صغيرتين، تجلسان في الفضاء الفسيح في الريف، خلال استراحة بعد أن قامتا بجمع البندق، وتبدو الفتاتان في اللوحة وكأنهما تتبادلان حواراً حيوياً ووثيق الصلة بهما، والصورة تبرز قسمات الفرح على وجهيهما، في واقعية مفرطة.
تصور اللوحة براءة وجمال وفرحة الطفولة مع هاتين الفتاتين، حيث المناطق المحيطة بهما خضراء وطبيعية، وربما يكون هذا أحد التفسيرات لهذه اللوحة، هو أن الطفولة والبراءة تمر بسرعة، ويجب اغتنامها، وأن نحاول التقاط هذه اللحظات العابرة بأفضل ما نستطيع.
يظهر لنا الفنان الفرنسي بوجيرو الفتاتين في لمسة من البراءة الواضحة، وخلفهما يبدو المنظر داكناً، كما هو في الخلفية المظلمة، لكن اللون الأخضر هو السائد في مجمل مساحة المنظر التصويري، ويبدو أن الموقع في مكان قريب من البحر، الذي يمكن رؤيته من خلال تلك الفسحة الصغيرة في الزاوية اليمنى العليا من اللوحة.
ويوحي المنظر بأن الفتاتين غير عابئتين بما يجري حولهما، وربما غير مدركتين لمخاطر الحياة، ركز بوجيرو في هذه اللوحة على إبراز ملامح الوجه، كما أظهر الفتاتين بأقدام عارية، وكأنه يشير برهافة إلى فترة الصبا، وهذا العالم المفتوح على المباهج البسيطة، وهو يشي بمشاعر البراءة والصداقة قبل أن تبدأ مسؤوليات الحياة مع تقدم العمر.
إحدى الفتاتين تحمل حفنة من البندق، بينما تبدو الأخرى مهتمة أكثر باللعب،، هذا العمل هو مثال ممتاز لرسومات بوجيرو التي قوبلت بنجاح منقطع النظير من الوسط الفني، فهو عمل يصور مشاهد من الحياة اليومية، حيث كان الفنان يفضل بشكل عام موضوع النساء والفتيات في البيئات البسيطة، وكما هو واضح في الرسم، ترتدي الفتاتان ملابس الفلاحين المألوفة، لكن ما هو لافت في اللوحة أيضاً هو إبراز الفتاتين نظيفتين وبشكل استثنائي، وراضيتين بتلك الحياة التي يعيشها الأفراد العاملين في مجتمع الريف الفقراء.
  • نجاح
الجانب الإنساني والعاطفي و(بشكل مفرط) في لوحة «جامعتا البندق» كان عرضة لموجة من النقد، لكنه أيضاً كان سبباً من أسباب نجاح اللوحة وارتفاع نسب مشاهدتها عند جمهور الفن، وكانت أعمال بوجيرو اللاحقة، التي تصور بنجاح موضوعات مثل العلاقات الأسرية، والتأمل الهادئ، والانسجام مع الطبيعة، قد صادفت ذات النجاح بما فيها من روعة، وما تتميز به من دقة في رسم ملامح البشر.
كتب مارك ستيفن ووكر عن وجهة نظر الفنان ويليام بوجيرو بإزاء حياة الفلاحين في كتالوج أحد المعارض في الصالون الباريسي، فلفت إلى نجاحه الساحق وأشاد «بالاهتمام الشديد المطلوب للحفاظ على مثل هذه الرؤية المتقنة في عصر لا يتصف بالكمال».. وهذه الرؤية أثبتت صدقيتها حيث بيعت اللوحة إلى معهد «ديترويت» للفنون في عام 1952، هذا المعهد الذي يضم اليوم متحفاً يحتوي على أكبر وأهم المجموعات الفنية في الولايات المتحدة الأمريكية.
  • خبرة
كان ويليام بوجيرو خبيراً في رسم الجسم البشري، معتمداً أسلوب «التزجيج» وهي التقنية التي استخدمها قبله رافائيل، وليوناردو دافنشي ومايكل أنجلو، وأنجز في هذا الموضوع الأثير إلى نفسه مئات اللوحات التي تصور النساء والأطفال البسطاء، وقد استلهم في لوحاته القصص الأسطورية، مثل «ولادة فينوس»و«الباشانت» وهذا المصطلح الأخير يعود للفنان والمنظر الفرنسي جان ميتزنيغر (1883 - 1956) نسبة إلى لوحة رسمها في 1906، وكانت «الباشانات»، أسلوب في الفن، سبق المدرسة التكعيبية التي ظهرت في فرنسا في بدايات القرن العشرين وانتشرت بين 1907 و1914، على أيدي بابلو بيكاسو، جورج براك وخوان جريس.
كانت المساهمة الرئيسية لويليام بوجيرو هي إيمانه بضرورة السماح للمرأة بتعلم الفن وممارسته، وقد استخدم نفوذه لفتح العديد من المؤسسات الفنية في فرنسا، التي كان يهيمن عليها الرجال، ومن هذه المؤسسات المرموقة بالطبع (الأكاديمية الفرنسية)، حيث لا ينسى نقاد الفن في المجتمع الباريسي هذا الإسهام الكبير لبوجيرو.
ينتمي الفنان بوجيرو إلى كادر الفنانين الذين سيطروا على معارض الصالون الباريسي الرسمية في كل عام، إلى أن فجر جوستاف كوربيه كل التوقعات حول ما يجب أن تكون عليه اللوحات، كان الرسامون أمثال: بوجيرو وجان ليون جيروم وغيرهما يحكمون مشهد الصالون، ولم يبتعدوا كثيراً عن مواضيع وأنماط الرسم التي أبقتهم مشهورين لفترة طويلة، وهذا سبب كاف لكي يستمر بوجيرو في مشروعه الفني، ويكون الأطفال والبسطاء موضوعه الأثير وعلامة تجارية لمشهد رعوي ممتد في البيئة الفرنسية لعائلات، وبالأخص لأطفال صغار غير مدركين لقسوة الحياة.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p8r998e

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"