موسم الهجرة في كل الجهات

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

هل كان الراحل الطيّب صالح سيكتب «موسم الهجرة إلى الجهات الأربع»، لولا كلمةٌ سبقت؟ ربّما لم تكن لتكفيه ثلاثية أو رباعية روائية، فما فوقها، فمَن لديه عِلم بهذا الليل العربي متى غده؟ لكن، لا يأس مع الأمل، فأربعمئة مليون لا يعدمون الحيلة، يستطيعون أن يرفعوا أيديهم راجين أن تمنّ الأقدار على السودان بنظام طيّب صالح. مع خطورة رفع اليدين في عالم يسوده الصعاليك، الذين ليسوا بشعراء في الجاهليّة الجديدة.
في هذا السياق، ألمْ يكن أبو الفداء، إسماعيل بن علي، الجغرافي المؤرخ الموسوعي، ملك حماة في سوريا، مخضرم القرنين السابع والثامن الهجريين، يغيّر عنوان كتابه الشهير «تقويم البلدان»، ليجعله «تقسيم البلدان»، لو أنه رأى ما حلّ بالشام من السقام في الاقتسام، حتى باتت مآثرها أطلال ركام وحطام؟ أما كان يُحزنه بتر جنوب السودان، تمهيداً لدوران الحبل على الجرّار؟
الطريف أن دمشق عرفت معاصراً لأبي الفداء، إسماعيل بن علي، أشهر منه بكثير، ألا وهو ابن كثير، هو الآخر يُكنى بأبي الفداء، واسمه أيضاً إسماعيل. هو من كبار المفسرين وأهل الحديث، ولكنه مؤرخ أيضاً، ومن أشهر مؤلفاته كتاب «البداية والنهاية»، موسوعة تاريخية في واحد وعشرين مجلّداً. صحيح أنه كما يقول الشاعر: «ومن حوى التاريخ في صدره»، لكنه «أضاف أعماراً إلى عمْرهِ»، وشعر بنكد الدنيا على المؤرخ، أن يرى نهاية الحضارة الإسلامية على يد هولاكو. توفي ابن كثير قرابة قرن على انهيار بغداد تحت حوافر المغولي القديم. كيف كان يكتب نهاية البداية، لو شاهد ما حلّ بالعراق وسوريا وليبيا؟ كان قطعاً سيترك النهاية مفتوحة، لتستوعب الحلقات التالية المتتالية من المسلسل السوداني.
الأطرف الأعجب هو أن الثلاثي المذكور أعلاه، ثلاثتهم كانوا سيندهشون للعجائب اللغوية في «معجم البلدان». عجباً، صاحب هذا الكتاب أيضاً مؤرخ جغرافي أديب من حماة، غير أنه مثلث الانتماء، فياقوت يُعرف بأنه حموي بغدادي رومي (الرومي تطلق على اليوناني والتركي). حسبنا الله ونعم الوكيل، فقد اتفق المتقاتلون على أن يَسِموا السودان على الخرطوم، حفظه الله فهو دائماً صاحب شَمم. وماذا عساك تقول في هذه المصادفات اللغوية؟ فالصراع محتدم في «دارفور»؟ أليست دارَ فَوْر من ثلاثي فارَ يفورُ فوْراً وفوراناً؟ من ترى يرثي لحال أمّ درمان؟ ألا يبعث هذا الجذر الثلاثي «دَرَمَ» على التطيّر والتشاؤم، فهو يدل على الاستواء، التسوية بالأرض. أمّا الدرماء فهي الدرداء التي لا أسنان لها تدافع بها عن نفسها أمام ظلم ذوي القربى الأقربين، وأمام الغربيين الأغربين.
لزوم ما يلزم: النتيجة الخنسائية: هل يدرك العرب أهوال الأحوال الجيوسياسية؟ انظروا إلى الحروب الأهلية على مساحة أربعة ملايين كيلومتر مربع: ليبيا والسودان.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/49k7dcjw

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"