التنمية البشرية والثقافة

23:42 مساء
قراءة دقيقتين

عثمان حسن

بدءاً من ثلاثينات القرن الماضي، بدأ العلماء في نشر نظريات التطور الثقافي، بوصفه نشاطاً متعدد الخطوط وليس أحادياً، فنشأت نظريات جديدة حول التطور الثقافي، مستندة على أبحاث الأنثروبولوجيا الفيزيائية، وعلم الآثار، وغيرها.

ونحن اليوم، نشهد ما يمكن وصفه بالتعدد الثقافي، وهذا خلاف ما نادت به نظرية صدام الحضارات لهنتنغتون، وبناء عليه؛ فقد أصبحت مقولات أو نظريات التعدد الثقافي، في صلتها بثقافات الشعوب قاطبة، معياراً يستدعي أجمل وأفضل ما في هذه الثقافات لمصلحة الكائن البشري.

وتجارب الحضارات وتمايزها، بما فيها من قيم، غلّبت عنصر القوة والهيمنة، وها هي تُستعاد في أشكال كثيرة، تعيد النظر إلى مفهوم الثقافة بوصفها ذات صلة بالكثير من القيم، ومنها مفهوم التنمية البشرية.

فالتنمية البشرية هنا، تنظر إلى الثقافة، بوصفها عملية تطور، لها امتداداتها في كافة شؤون البشر من اقتصاد وسياسة وفلسفة، وهذه كلها تشمل معتقدات البشر وقيمهم وآدابهم وفنونهم، وهي بالتأكيد تؤثر في التطور الثقافي والعكس صحيح.

وفي موضوع الثقافة والتنمية البشرية، ودور الثقافة في التأثير في البيئة والمجتمع والاقتصاد، لا نكاد نعثر على دراسات، أو ترجمات عربية كثيرة، تفصل في هذا الموضوع، وهناك على الأقل كتاب وضعه الباحثان بيدرو سيلفا وأنطونيو موريرا، وكلاهما من جامعة أفيرو بالبرتغال، والكتاب يبحث في التطورات الحديثة، وأدوار القيم الثقافية والشخصية في السلوك البشري والتنظيمي، ويرى الكتاب في عجالة، أن التنمية تفيد في تقييم ثراء الحياة البشرية؛ وذلك من خلال تركيزها على الناس، وفرصهم وخياراتهم، بدلاً من مجرد التركيز على الثراء الاقتصادي للدول.

ويرى الكتاب كذلك أن ثقافة الأمم، والتي يسميها «الثقافة القومية» تُفهم على أنها مجموعة من الخصائص التي تميز الأفراد، وتؤثر في جميع جوانب الحياة الاجتماعية والفردية. وتفترض الدراسة في تناولها للثقافة الوطنية، مؤشراً بأبعاد ستة، يقيس تطور الثقافة في ظل انخفاض مستويات الفساد، وكلما انخفض مؤشر الفساد، زادت وتطورت مستويات الثراء والتطور في كافة ميادين الابتكار البشري، وصار المجتمع أكثر انفتاحاً على التطور الاجتماعي، وتحقيق ظروف أفضل للأفراد.

والتنمية البشرية موضوع بالغ الأهمية، ولا يمكن فصله عن ثقافة المجتمع، فهو مؤشر للحوكمة الرشيدة، واستثمار لقوة الثقافة في تحقيق خيارات أفضل للفرد والمجتمع، وهو من ناحية أخرى، يعد سبباً رئيسياً في استثمار الثقافة كقوة ناعمة؛ لتحقيق نهوض معيشي واجتماعي، يُكثف من آليات الإبداع والابتكار في مجالات عديدة، تتجاوز مستويات النمو الاقتصادي وحدها.

والتنمية البشرية ذات صلة أكيدة بمفهوم التطور البشري، هذا المفهوم الذي يرتبط بعدة عوامل، بينها العلوم الاجتماعية، وقد صار بعض المفكرين يطلقون عليه التطور الاجتماعي والثقافي.

هل سنشهد في المستقبل دراسات تعيد تقييم الثقافة في ضوء علاقتها بالتنمية البشرية، وهل ستصبح التنمية البشرية معياراً يقيس التطورات الحديثة والجديدة، بعيداً عن صخب العولمة ومفاهيم القوة والتفسير السطحي لعوامل القوة والتحضر والتفوق الثقافي؟ ربما.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2cuu7nxy

عن الكاتب

كاتب وشاعر وصحفي أردني، عمل في الصحافة الأردنية / في القسم الثقافي بجريدة الدستور ، ويعمل اليوم محررا في جريدة الخليج الإماراتية / القسم الثقافي، صدرت له عدة كتب في الشعر بينها: "ظلال" ، وردة الهذيان / ، وكبرياء الصفة / ، كما صدر له كتاب في الإمارات بعنوان "محطات حوارية مع وجوه ثقافية إماراتية" .
له كتاب مترجم غير منشور/ قصائد عن الإنجليزية، نشرت بعض هذه القصائد في "ثقافة الدستور" وفي مواقع إلكترونية محكمة مثل موقع "جهة الشعر.
شارك في أماسي وملتقيات شعرية عربية كثيرة، وقد قدمت حول نتاجاته الأدبية الكثير من القراءات النقدية.
عضو رابطة الكتاب الأردنيين ، وعضو نقابة الصحفيين الأردنيين.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"