زلازل أدبية

23:12 مساء
قراءة دقيقتين

عثمان حسن*

في 2018، أطلقت مجموعة من الأكاديميين في إحدى الجامعات الألمانية بجامعة توبنغن، مشروع «كاساندرا» لاستخدام الروايات في محاولة لتحديد الصراعات المقبلة في العالم برئاسة يورجن فيرتهايمر.

استقر المجتمعون على مبادرة «مشروع كاساندرا» لكي تعمل لعامين مقبلين، يستخدم خلالها الباحثون خبراتهم للتنبؤ بالمستقبل، وهذه المرة بشأن الحروب المتوقعة. تصدرت «كاساندرا» العنوان الرئيسي في الصحف المحلية، وقد كتبت صحيفة «نيكار كرونيك» أن فكرة استخدام الأدب لتحديد الحروب الأهلية والكوارث الإنسانية في وقت مبكر، كانت ساحرة بقدر ما كانت ساذجة بشكل ميؤوس منه.

أما يورجن فيرتهايمر، فرد بقوله: إن الجمهور ببساطة لم يأخذنا على محمل الجد، لقد ظنوا أننا مجانين فقط، ويضيف: إن التهم بالجنون كانت إلى الأبد لعنة العرافين، وكاساندرا، كاهنة طروادة من الأسطورة اليونانية، كانت تتمتع ببصيرة سمحت لها باكتشاف المحاربين اليونانيين المختبئين داخل حصان طروادة.

قريباً من هذه الحادثة، يبدو كتّاب الرواية اليوم، كحال كاساندرا، يتحدثون دائماً عن الحقائق، ولا يتم معاملة رواياتهم على أنها صحيحة، وتظل مقصورة على فئة النخبة، ويبدو العالم غير مكترث إزاء كثير من الروايات التي تمتاز ببصيرة نافذة، ففي عام 1914، كتب إتش جي ويلز عن القنابل الذرية التي تلوث عناصرها المشعة ساحات القتال، قبل ثلاثة عقود من هيروشيما وناغازاكي، من جانبه تصور الكاتب البريطاني جون برونر في «الوقوف على زنجبار» أن تشكل أوروبا اتحاداً جماعياً كما توقع بصعود الصين كقوة عالمية، وتوقع بالانحدار الاقتصادي لديترويت، وغير ذلك الكثير.

كثيرة هي الكتب التي امتازت بعين ثالثة، ولا يلتفت إليها من أصحاب القرار، هل نتحدث عن جورج أورويل أو غراهام غرين أو توم كلانسي، الأسماء كثيرة، وبإزاء الحوادث العديدة التي توقعتها الكتب، ربما، - وهذا كلام يؤيده كثير من نخب العالم اليوم- يضعف معيار الصدفة للحكم على هذه الأعمال الأدبية، وهنا يبرز سؤال مُلح حول وجود نقد واعٍ مستقبلي، الأدب هنا، يفرز مخيالاً لتحديد المزاج الاجتماعي، ودفعه إلى المستقبل، لكن ماذا عن رواية «كاساندرا» ونشرت في 1983، للكاتبة الألمانية الشرقية كريستا وولف، تستعيد كريستا في الرواية شخصية كاساندرا من الأسطورة اليونانية، باعثة فيها الحياة، وصفت الرواية بأنها «رواية الحرب والمرأة التي تراقب ما يدور برهافة مملوءة بالشعر عن السادة والمحكومين، عن القوة والضعف»، إنها تشبه بحسب يورجن المرحلة الأخيرة من جمهورية ألمانيا الديمقراطية، كدولة لا تختلف عن طروادة، مستسلمة لجنون العظمة، وهي تتجه نحو حرب غير باردة. مثل هذه الروايات يمكن قراءتها، كنوع من مقياس الزلازل الأدبي، وربما يمكنها تحديد الصراعات التي هي على وشك الانفجار إلى العنف، وربما تشكل تحذيراً لإنقاذ ملايين الأرواح.

في ربيع عام 2015 تلقى يورجن رسالة من وزارة الدفاع الألمانية؛ حيث كلف بإدارة مشروع تجريبي لاختبار فكرته عن الأدب باعتباره «نظام إنذار مبكر».. غير أن هذا المشروع توقف، لكنه يستعاد اليوم من قبل فريق ألماني متخصص لتطبيقه في تحليل التوترات الجيوسياسية في أوكرانيا وليتوانيا وبيلاروسيا. فهل ينجح يورجن باستعادة توقعاته؟ الإجابة برهن التطورات.

* [email protected]

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3uryf4yd

عن الكاتب

كاتب وشاعر وصحفي أردني، عمل في الصحافة الأردنية / في القسم الثقافي بجريدة الدستور ، ويعمل اليوم محررا في جريدة الخليج الإماراتية / القسم الثقافي، صدرت له عدة كتب في الشعر بينها: "ظلال" ، وردة الهذيان / ، وكبرياء الصفة / ، كما صدر له كتاب في الإمارات بعنوان "محطات حوارية مع وجوه ثقافية إماراتية" .
له كتاب مترجم غير منشور/ قصائد عن الإنجليزية، نشرت بعض هذه القصائد في "ثقافة الدستور" وفي مواقع إلكترونية محكمة مثل موقع "جهة الشعر.
شارك في أماسي وملتقيات شعرية عربية كثيرة، وقد قدمت حول نتاجاته الأدبية الكثير من القراءات النقدية.
عضو رابطة الكتاب الأردنيين ، وعضو نقابة الصحفيين الأردنيين.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"