أنشودة الرافدين

00:02 صباحا
قراءة دقيقتين

عثمان حسن

‏وهكذا، تفقد الساحة الأدبية العربية واحداً آخر من رموزها الكبار، كريم العراقي، هذا الشاعر الذي جسد معنى حقيقياً للأمل حتى وهو على فراش المرض، إذ سبق والتقطت له وسائل الإعلام صورة وهو يحمل أوراقاً بيديه، ويقرأ شيئاً من قصيدة يقول فيها:

ضاقت عليَّ كأنها تابوت.. لكنما يأبى الرجاء يموت / والصبر يعرف من أنا منذ الصبا.. وشم له في أضلعي منحوتُ.

وهو ذات الشاعر الذي قال يوماً:

لا اليأس ثوبي ولا الأحزان تكسرني.. جرحي عنيد بلسع النار يلتئم.

وُصف كريم العراقي بأوصاف كثيرة أطلقها عليه كبار الأدباء والمثقفين، وهي أوصاف تليق بقامته الشعرية، ومن هذه الأوصاف: (أشهر كتاب القصيدة الشعبية الغنائية، وشمس بلاد الرافدين، وأنشودة الرافدين، وغيرها من الألقاب والنعوت).

والعراقي بغيابه المؤثر والمؤلم، ترك بحق فراغاً كبيراً في الشعر الغنائي الذي اشتهر به، فهو صاحب تجربة إبداعية تغلغلت في وجدان ومحبي الشعر في كل مكان، هذا الإبداع وهذا التميز الذي حملته أشعار العراقي، نفذ إلى قلوب محبيه من ملايين المستمعين في الساحة العربية، ومن المهم هنا، أن نذكر علاقته الوطيدة مع الفنان كاظم الساهر الذي نقل قصائده إلى جمهور كبير، تجذبه الكلمة العذبة الشفيفة الصادرة من القلب.

وفي جانب آخر من شعرية العراقي، وبعد أن ذاع صيته واتسعت جماهيريته، من المهم الإشارة إلى أنه مبدع متمكن، ويمتلك جميع أدوات الشعر العربي الفصيح، حيث كتب في ميادين كثيرة، فنال استحسان الجمهور بأشعاره الغزلية، وما كتبه في الحكمة، وعن آلام الحياة ومواجعها وأشجانها، فهو يمتلك ناصية الشعر الفصيح بجدارة واقتدار، كما هو في «شعبياته» التي تتسم بثقافة لا محدودة.

هو كريم العراقي.. شاعر مجيد، حقق شهرة كبيرة، فأحبه أهل العراق، وأصبح تأثيره قوياً في منطقة الخليج والعالم العربي، وقد آثر العيش في دولة الإمارات العربية المتحدة التي رحّبت به وبموهبته الكبيرة، وحينما وافته المنية بعد صراع مع المرض، نعته المؤسسة الرسمية في الدولة، كما نعاه العراق كله، وحزن على رحيله أبناء الشعب العربي.

بحق، فإن رحيل العراقي يمثل خسارة للشعر، وخسارة للقصيدة العربية المغناة.

لقد عُرف عن الراحل تواضعه الشديد، ما زاد من إقبال الجمهور على حضور أمسياته الشعرية، حيث كان يشعر بحفاوة حقيقية، نظراً لأن شعره كان قريباً من الناس بحسه الوجداني المؤثر، فهو من المبدعين الذين نجحوا على المستوى الجماهيري، وأصبح نجماً من نجوم الشعر، ممن ملؤوا الساحة الإبداعية جمالاً وتدفقاً، فبات شعره المغنى جزءاً من تاريخ حافل بالإنجازات التي تسجّل له ولتاريخه الشعري والإبداعي.

وكان هذا الأثر، وكانت هذه الحفاوة، وهذه الجماهيرية نتاجاً طبيعياً لما يمتلكه العراقي من موهبة أصيلة في تاريخ الشعر العربي الحديث.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2fm6am5m

عن الكاتب

كاتب وشاعر وصحفي أردني، عمل في الصحافة الأردنية / في القسم الثقافي بجريدة الدستور ، ويعمل اليوم محررا في جريدة الخليج الإماراتية / القسم الثقافي، صدرت له عدة كتب في الشعر بينها: "ظلال" ، وردة الهذيان / ، وكبرياء الصفة / ، كما صدر له كتاب في الإمارات بعنوان "محطات حوارية مع وجوه ثقافية إماراتية" .
له كتاب مترجم غير منشور/ قصائد عن الإنجليزية، نشرت بعض هذه القصائد في "ثقافة الدستور" وفي مواقع إلكترونية محكمة مثل موقع "جهة الشعر.
شارك في أماسي وملتقيات شعرية عربية كثيرة، وقد قدمت حول نتاجاته الأدبية الكثير من القراءات النقدية.
عضو رابطة الكتاب الأردنيين ، وعضو نقابة الصحفيين الأردنيين.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"