التجارة تقود العلاقات الثنائية

21:41 مساء
قراءة 3 دقائق

أنتوني شو*

قبل سفري إلى الصين كجزء من أول وفد تجاري أسترالي منذ ثلاث سنوات، كنت أفكر في كيفية تعميق العلاقات التجارية بين سوقينا. واليوم تأتي إعادة فتح الحدود في وقت يزداد فيه تفاؤل كانبيرا بذوبان الجليد إلى حد كبير، مع بكين وعودة التواصل الثنائي من جديد.

وبغضّ النظر عن أي اختلافات، من المهم أن نتذكر أن ازدهار البلدين لطالما كان مرتبطاً بشكل وثيق ولفترة طويلة. ومع تقدمنا في عام 2023، ينبغي على أستراليا التمسك بهذه الرابطة القوية من المصالح المشتركة التي تصب في مصلحتها قبل كل شيء.

فعلى سبيل المثال، وبلغة الأرقام، تُصدر أستراليا أكثر من 35% من سلعها ومنتجاتها، بما في ذلك خام الحديد والفحم والغاز الطبيعي المسال، مباشرة إلى الصين. وهذا الحجم أكبر من المجموع الكلي لصادرات كوريا الجنوبية والهند واليابان والولايات المتحدة والمملكة المتحدة. وخلال هذا العام، سيكون دليل مواصلة إعادة بناء العلاقة بين السوقين هو الاستفادة من القطاعات التي توفر أكبر قدر من المنفعة المتبادلة، بما في ذلك السلع الأساسية والتعليم والسياحة.

وفي قطاع السلع، ستركز أستراليا على الحفاظ على مكانتها مورداً موثوقاً للصين، حيث تفتح أبوابها وتسعى لمواصلة تطويرها الحضري. كما تعتبر السياحة، في الاتجاهين، قطاعاً حيوياً بشكل واضح أيضاً. فقبل الوباء، كانت أستراليا أكبر وجهة سياحية للصينيين، مع أكثر من 1.4 مليون زائر في عام 2019، أضافوا أكثر من 12 مليار دولار للاقتصاد الأسترالي.

وعندما يتعلق الأمر بالتعليم، تعتبر أستراليا أهم وجهة للطلاب الصينيين منذ عام 2002، واستمر هذا الحال طوال فترة الوباء كذلك. حيث أظهرت بيانات التعليم الرسمية في أستراليا أن 37% من الطلاب الصينيين مسجلين في الخارج، مقارنة ب 8% من الطلاب الهنود. ومع إعادة فتح حدود الصين، تعمل حكومات الولايات الأسترالية على جذب الطلاب الدوليين مرة أخرى من خلال إتاحة العديد من المنح للدراسة في جامعاتها.

علاوة على ذلك، تبذل أستراليا جهوداً استباقية لجذب المواهب الصينية من خلال تعديل برنامج التأشيرات الخاص بها لتمديد إقامة الطلاب الصينيين في أراضيها بعد تخرجهم في الجامعة، والبدء بدخول سوق العمل. وهذا أمر إيجابي بالنسبة للصين، يدعم فرص توظيف الشباب لديها.

أما المسار الإضافي الذي يوفر نمواً اقتصادياً سريعاً لكلا السوقين، فيتم تشكيله من خلال اقتصادات البلدين الخضراء. فعلى المستوى الوطني، قطعت أستراليا والصين التزامات كبيرة بشأن الحد من انبعاثات الكربون، وتتجهان لاستخدام المزيد من الطاقة النظيفة. لكن حجم التحدي ضخم، وكذلك الفرص.

وفي عام 2022 ولأول مرة، تجاوزت قدرة الصين على توليد الطاقة من مصادر متجددة قدرتها من الفحم، وباتت البلاد موطناً لأكبر حصة من الخلايا الكهروضوئية «الشمسية»، وتصنيع توربينات الرياح في العالم، كما أنها تمثل 70% من قطاع تصنيع السيارات الكهربائية عالمياً. في الوقت نفسه، تعتزم أستراليا تحويل 80% من طاقتها إلى مصادر متجددة خلال السنوات السبع المقبلة حتى عام 2030.

وما يجعل الأمر أكثر إقناعاً هو أن كلا السوقين يحتاج إلى بعضهما بعضاً. فأستراليا تُعد رائدة في إدارة التكامل المتزايد لمصادر الطاقة المتجددة في الشبكة، ولديها نظام تدريب متطور وعلى نطاق واسع عالمياً، للعلوم المتجددة والحلول الهندسية والتركيب، ما يمثل تحدياً لبعض المقاطعات الصينية.

في المقابل، تحتاج أستراليا إلى معرفة فنية في التصنيع المتقدم، وتحتاج أيضاً إلى رأس المال. وقد صرحت الحكومة الأسترالية بأنها تريد أن تكون قوة عظمى في مجال الطاقة المتجددة، لكن تحقيق هذه الطموحات يتطلب استثماراً بقيمة 76 مليار دولار أسترالي (50.79 مليار دولار) بحلول عام 2030، مع توقع أن يأتي ثلث ذلك فقط من الاستثمار العام. إذن، من أين يجب أن تبدأ أستراليا والصين ببناء هذه العلاقات الخضراء؟ في مكان ما، ستساعد الوفود، مثل مجلس الأعمال الأسترالي الصيني، الذي زار الصين مؤخراً، في بناء بعض الجسور. وفي أماكن أخرى، ستشكل البنوك قنوات تواصل مهمة أيضاً. إذ يُعد التمويل الانتقالي جزءاً أساسياً من استراتيجيتنا، وتعمل البنوك، مثل «إتش إس بي سي»، على توجيه المزيد من الإقراض لدعم العملاء والصناعات التي تُظهر تقدماً انتقالياً ذا مغزى.

واليوم، ومع اقترابنا من الذكرى السنوية ال 40 لبدء العلاقات الدبلوماسية بين أستراليا والصين، نحتاج إلى مزيد من التعاون. وبهذا الصدد، من المهم معرفة ما تم تحقيقه، وما ينتظرنا في المستقبل، وكيف يرتبط ازدهار أستراليا والصين وبقاؤهما ارتباطاً وثيقاً.

من الواضح أن تعزيز التدفقات التجارية والمشاريع الاستثمارية بين قطاعاتنا الأساسية مثل السلع والتعليم والسياحة والطاقة أمر لا بد منه. وإلى جانب هذه القطاعات، يوفر الاقتصاد الأخضر فرصة لإعادة برمجة مسارنا الاقتصادي والسياسي الثنائي بطريقة إيجابية وضرورية للجميع.

* الرئيس التنفيذي لبنك «إتش إس بي سي» أستراليا «تشاينا ديلي»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2m8xaah6

عن الكاتب

الرئيس التنفيذي لبنك «إتش إس بي سي» أستراليا

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"