عادي
كيف نختار كتابنا؟

القارئ في محنة

22:20 مساء
قراءة 6 دقائق
2

الشارقة: علاء الدين محمود

كيف نختار الكتاب الذي نقرؤه؟ في الماضي كانت هناك الكثير من نوادي القراءة، وكانت هناك تجمعات يتم تداول الكتاب فيها، ومن ثم نشره على نطاق أوسع، فضلاً عن القراءات الجمالية والتحليلية التي كان يقوم بها النقد. الآن هناك مواقع التواصل وقوائم الأكثر مبيعاً، وبعض الصحف التي لا تزال تقدم تلك الخدمة، أي التعريف بالكتاب وعرضه، مسألة اختيار الكتب معقدة وعلى مستويات كافة، بالنسبة للقارئ المبتدئ، وحتى القارئ المتمرس، الأول هناك عادات وسلوكيات وتجارب لا بد أن يمر بها حتى يختار الكتاب الذي يحببه في القراءة، والثاني صعب المراس وخبراته علمته أن لا قوائم الأكثر مبيعاً أو عنوان الكتاب أو ما كتبه الناشر على غلافه بإمكانها أن تؤكد أن هذا الكتاب جيد أم لا.

الصورة
2

لا تبدو عملية اختيار الكتاب المعين من قبل القارئ، مسألة سهلة، إذ تتحكم فيها جملة من العوامل، فيها ما هو مباشر وغير ذلك، فلئن كان للصالونات والندوات والأصدقاء، والخبرات التي يجمعها المتلقي دور في عملية انتقاء المؤلف المحدد، فإن الصدفة عنصر مهم، ومنها تبدأ علاقة مختلفة مع القراءة، وذلك ما أشار إليه عدد من المثقفين الإماراتيين في مجالات إبداعية وأدبية مختلفة، حيث أشاروا إلى أن ميول القارئ واهتماماته عامل أساسي، إضافة إلى اسم الكاتب، والعنوان، ولفتوا إلى أن أندية القراءة كانت لها أهمية ملحوظة في السابق في مسألة الاختيار.

«الوعي هو الأساس، وهو صاحب الدور الحاسم في عملية انتقاء الكتاب»، هكذا تحدث شيخ الروائيين الإماراتيين علي أبو الريش، الذي أكد على أهمية أن يدرك المتلقي قيمة المؤلف الذي يود اختياره بين كتب أخرى، حيث إن تلك المسألة لا تتأتى إلا عبر الوعي والخبرة المتراكمة والممارسة الطويلة في سياق علاقة القارئ بالمؤلفات، حيث ينشأ نوع من الميل تجاه أدب معين، وكاتب محدد، فدائماً ما يكون للمتلقي مؤلف مفضل، وضرب ثقافي وإبداعي يميل إليه.

ذكر أبو الريش، أن القارئ، قبل أن يهم باختيار كتاب معين من أجل قراءته، فهو يتكئ على ذاكرة مع الكتب فيها حزمة من القوائم التي تؤهله لعملية الاختيار، حيث إن لكل متلق خبرته وتفضيلاته، وكذلك فإن للأصدقاء دوراً في عملية انتقاء المؤلف المعين، فهم يخبرون عنه ويتناولون مميزاته، فلكل واحد من مجموعة الأصدقاء ثروة ثقافية وكم من المعلومات، بالتالي فهم مفيدون جداً خاصة أن أي واحد فيهم قد يكون متكئاً على ثقافة مختلفة عن الآخر، وهنا تبرز مسألة التنوع والتي هي شديدة الأهمية في تفضيل كتاب على آخر.

أداء واجب

وشدد أبو الريش، على أهمية أن تقوم مسألة الثقافة في الدولة على مؤسسات، خاصة في مسألة التحفيز على القراءة وتشجيعها كي تصبح ثقافة عامة، وحتى لا تكون القراءة من أجل القراءة، إذ إنها لو صارت كذلك، فإن المتلقي لن تهمة مسألة الاختيار تلك، فهو سيطلع على كل ما يقع في يده ويقرأه دون تعمق، لأن القراءة تصبح عنده مجرد أداء واجب.

وأكد أبو الريش، على أهمية الصفحات الثقافية، لأنها تسهم في توجيه القارئ نحو المؤلفات والكتب الجيدة، وكذلك مواقع التواصل الاجتماعي إذا ما تم التعامل معها بطريقة جيدة بعيداً عن الابتذال السائد الآن، حيث إن هذه المواقع لها إمكانيات كبيرة غير أنها لا توظف في ما يفيد الناس، إذ في الإمكان أن تستخدم في الترويج للمؤلف والكاتب، وأن تكون ميداناً للنقاشات النقدية حول الكتاب المعين، بالتالي إذ تم التعامل معها بهذه الكيفية فلا شك في أنها ستكون خير معين للقارئ في عملية الاختيار.

ولفت أبو الريش إلى أهمية الدور الذي يلعبه المثقفون التنويريون، فهم أصحاب رسالة تجاه القارئ، من خلال إرشاد المتلقي للمؤلفات القيمة، ويبدو أن هناك، للأسف، فجوة كبيرة في هذا الجانب، رغم أهميته، فالمطلوب أن يكتب المثقف تجاربه واختياراته وتفضيلاته لأنه يمثل قدوة للمتلقي، مشيداً بالدور الكبير الذي ظل يلعبه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، في عملية الوعي بأهمية القراءة وتوفير المؤسسات التي تفيد جمهور القراء، وهو أمر يتطلب تضافر كافة الجهود من قبل المؤسسات الثقافية في الدولة، لافتاً إلى أهمية وجود قادة رأي حقيقيين ينتصرون للأفكار والمعرفة.

وأشار أبو الريش، إلى أن الناس في زمن مضى، كانوا يتبادلون الكتب، وكانوا يشكلون ما يشبه عمل المؤسسة الثقافية، حيث كانوا يتناقشون حول المؤلف المعين، وتلك مسألة في غاية الأهمية من أجل تعزيز حب القراءة في النفوس.

اختلاف

القاص إبراهيم مبارك، أشار إلى أن مسألة اختيار الكتاب، تختلف من شخص إلى آخر، كل بحسب تجربته وخلفيته المعرفية، فهنالك من يميل إلى معارف معينة أو نوع محدد من الأدب، بالتالي يذهب مباشرة إلى اختيار الكتب التي تتلاءم مع ذوقه وثقافته.

ولفت مبارك، إلى أن هناك من القراء من لديه خط قراءة معين، وهذا الأمر يتطلب خبرة طويلة، وهي عملية تنتج عنها قائمة من الكتاب المفضلين، مشيراً إلى أن الأصدقاء يلعبون كذلك دوراً كبيراً في عملية انتقاء المؤلفات، فهم يقومون بإرشاد بعضهم البعض نحو الكتاب الذي نال إعجابهم.

وأوضح مبارك أن التيار الأيديولوجي له دور كذلك في عملية انتقاء الكتاب، حيث إن البعض يفضل المؤلفات اليسارية في جميع ضروب المعرفة والأدب، وهنالك من يحبذ الكتب ذات الطابع الديني، أو الفلسفي، حيث إن عملية الاختيار تتحكم فيها عوامل كثيرة، لافتاً إلى أن الصدفة أيضاً لها دور في مسألة الاختيار، فقد يتعرف القارئ إلى كاتب من خلال كتاب معين نال إعجابه لتبدأ مسيرة علاقة مع هذا المؤلف وإصداراته، حيث إن كل ملتق تتكون لديه الخبرات بعد مسيرة من القراءة حيث يتراكم لديه الوعي.

وضرب مبارك مثلاً، بعالم الرواية، فهناك قائمة طويلة من المؤلفين العالميين، ولكل قارئ كاتبه المفضل في تلك القائمة، إذ يجد نفسه متفقاً مع طريقته وأسلوبه واستخدامه للتقنيات، وهنالك من يميل إلى نوع معين من الرواية؛ مثل أن ينجذب نحو السرد الفلسفي، فهو في هذه الحال يقرأ لجميع المؤلفين الذين تخصصوا في هذا المجال، وكذلك هناك من تجذبه الواقعية السحرية، أو اللا معقول وغير ذلك من الخيارات.

اسم الكاتب

أما الشاعر والمسرحي جمال مطر، فهو يراهن على اسم الكاتب، ويعتبره من أهم عوامل اختيار الكتاب المعين، موضحاً أن لديه طريقة معينة في عملية الاطلاع، فهو يقوم بقراءة عدد كبير من الصفحات ليقرر بعدها هل يواصل أم يتوقف، فإذا كانت هنالك إشكالية في النص فهو لن يستمر في القراءة، طبعاً هذا يكون في حالة الكاتب الذي يتعامل معه لأول مرة.

ولفت مطر، إلى جانب آخر شديد الأهمية، وهو المترجم، بالنسبة للكتب العالمية، فالترجمة الرديئة من شأنها أن تجعل المتلقي يتوقف عن القراءة، حتى إن كان الكتاب لمؤلف كبير، مشيراً إلى بعض الأسماء الجديدة في عالم المترجمين والذين يمتلكون موهبة عالية مثل الشاب معاوية عبد المجيد الذي قام بترجمة رواية «لعبة الملاك»، لكارلوس زافون.

وذكر مطر، أن الصالون والملتقيات والندوات يمكن أن تلعب دوراً مميزاً في تعريف القارئ بالكتاب المعين، بالتالي يقبل على الاطلاع عليه، لافتاً إلى سيادة العديد من المنتديات الأسبوعية في الدولة التي كان يتولى أمر إدارتها مثقفون كبار.

وشدد مطر على أهمية اختيار الكتاب، لأن هنالك عواقب تترتب على الانتقاء الخاطئ، فهو قد يتسبب في كره المتلقي للقراءة، لذلك لابد من الاختيار بحسب الثقافة والميول والتجارب لدى القارئ المعين.

مسيرة

من جانبه أشار الباحث في مجال التراث د. حمد بن صراي، إلى أن عملية الاختيار هي مسألة لها أهميتها، وهي شديدة العلاقة ببدايات مسيرة القارئ نفسه، حيث إن المتلقي الجديد لابد أن يتبع بعض الخطوات المهمة حتى لا يصبح الاطلاع ثقيلاً على قلبه، ومن أهم تلك الخطوات أن يقرأ المتلقي كتاباً يتوافق مع ميوله، لأنه إذا قام باختيار غير ذلك فهو لن يستوعب ما فيه، فقارئ الأدب على سبيل المثال يتوه في عالم الهندسة والعلوم، وكذلك فإن العكس صحيح، والمتلقي الذي يطلع على كتاب لا يتوافق مع اهتمامه فهو سرعان ما يغادر دائرة القراءة.

وشدد صراي، على أهمية أن يبدأ المتلقي الذي يتلمس طريقه في عالم القراءة الواسع والكبير، بالكتب الميسرة البسيطة في لغتها ومحتواها، وأن يبتعد في البداية عن المؤلفات المترجمة لأنها تنطوي على بعض الصعوبة، وكذلك ينتقي الكتب التي لها علاقة بالبيئة المحلية ثم ينفتح على المؤلفات العالمية، مشيراً إلى أن هذا النوع من القراء، يجب أن يبتعد كذلك عن الكتب القديمة التراثية في كافة المجالات.

ولفت صراي، إلى بعض الممارسات المهمة التي يجب على القارئ أن يعمل بها، وهي أن يقوم أثناء القراءة، بالكتابة على الهامش في النقاط التي يريد أن يتعمق فيها، أو أن يجري حولها حواراً، لأن القراءة بلا كتابة ستكون بدون فائدة، كما أن تلك الممارسة ستسرع من عملية تراكم المعارف لدى المتلقي، وتلك الخبرات التي يراكمها القارئ، هي التي ستعينه في عملية اختيار أي كتاب في وقت لاحق.

وذكر صراي أن الكاتب المميز، هو الذي يلفت انتباه القارئ ويكون ضمن خياراته دائماً، مشيراً إلى أن هناك أسماء كبيرة لمعت في مجال التراث في الإمارات وصارت قبلة القراء، بالتالي فإن القارئ الجيد هو الذي يختار اسم المؤلف المميز، ويلعب عنوان الكتاب دوراً كبيراً في عملية الاختيار، لذلك لابد أن يكون بسيطاً وجاذباً ومشوقاً.

اقرأ أيضاً:

مسالك لا نهائية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bd989wya

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"