صاحَب اتفاق الدول العربية على قرار عودة سوريا إلى الجامعة العربية، تأكيد لأولوية الحلول العربية لأزمات المنطقة. وهو دور كثيراً ما وجد في طريقة حائط صد من قوى، دولية وإقليمية، أرادت أن تحتكر إدارة تلك الأزمات. ولأن أولوياتها كانت لما يخصها قبل ما يتعلق بسوريا، فإن دورها أدى إلى زيادة أزمة الحرب في سوريا تعقيداً.
ولوحظ في اتجاه المعنى نفسه، ما أعلنه المعهد الملكي البريطاني (شاتهام هاوس)، المعروف بعمق تحليلاته وموضوعيتها، من أن الحرب في سوريا، ومصالح القوى الكبرى في المنطقة، قد أوصلت النزاع إلى أن يتحول من مشكلة إقليمية، إلى أزمة دولية أكثر صعوبة.
وقال المعهد أيضاً: إن فشل المساعي الدولية لحل أزمة سوريا، لم يكن بمعزل عن الفشل في تعزيز الاستقرار في العراق بعد غزوه عام 2003، أو في تحقيق حل سلمى للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني، ما دفع دول المنطقة للتساؤل عن صدق رغبة القوى الخارجية في إيجاد حل للوضع السوري، الذي خرج من نطاق كونه نزاعاً داخلياً، إلى التحول إلى نوع من مسرح عبثي تدار فيه نزاعات، دولية وإقليمية.
في السياق نفسه، تردد في عدد من مراكز البحوث السياسية في الغرب سؤال يقول: لماذا استمرت الحرب داخل سوريا 12 عاماً؟
بعض هذه المراكز، ومنها مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، قدم إجابة للسؤال بالقول: إن العنف أخذ يتصاعد هناك مع فتح الحدود السورية أمام مئات من الجماعات الأجنبية المتطرفة التي دخلت منها للقتال ضد الحكومة. وسرعان ما تحول النزاع من كونه في البداية معركة بين الحكومة والمعارضين لها، إلى صراعات دخلتها دول أجنبية، تتصرف وفق مصالح تخصها.
وعملت هذه الدول على تدفق الأموال، والأسلحة للمقاتلين ضد الحكومة السورية، ما خلق أجواء من الفوضى التي أتاحت فرصة كبرى للجماعات الإرهابية، مثل «داعش»، و«جبهة النصرة» التابعة لتنظيم القاعدة، وغيرهما من منظمات متعاطفة معهما، جاءت من دول عدة في المشرق والمغرب.
هنا وجدت الأزمة في سوريا نفسها في طريق مسدود صنعته قوى خارجية لمنع أي دور إقليمي لدول المنطقة.
ويشير إلى هذه الأوضاع تقرير للأمم المتحدة يقول إن منظمات إرهابية أجنبية دخلت إلى مناطق النزاع في سوريا، تمارس أعمالاً إرهابية، وساعدها على التواجد هناك فتح الحدود السورية أمامها ليتدفق منها متطوعون من دول عدة، ومن المنطقة ومن العالم. ومما زاد من تدهور الوضع الداخلي في سوريا أن «داعش» أقام مناطق خاضعة لسيطرته أسكن فيها رجالاً، ونساء، وعائلات ممن يتبعونه.
وقدرت الإحصاءات عام 2015 وجود 40 ألف إرهابي من 120 دولة، من المنطقة، ومن خارجها، مارسوا عمليات القتل والتعذيب، وإثارة الرعب بين الأهالي.
وبخلاف إراقة الدماء، فإن أكثر من نصف سكان سوريا اضطروا للهرب من بيوتهم التي تعرضت لقصف القنابل، وأصبح 6.8 مليون مشردين، ومليونان يعيشون في خيام في معسكرات تنقصهم فيها الاحتياجات المعيشية الضرورية.
أمام تلك المأساة التي لم يقدم لها حلاً، أولئك الذين أمسكوا في أيديهم زمام التصرف نحو الحل أو اللا حل، بدأ يُطرح في الأمم المتحدة وبعض دول الغرب سؤال هو: هل يفلح التدخل الخارجي في إنهاء الحرب في سوريا. أم أن الأمر ينبغي أن يعود إلى أصحاب الشأن الإقليمي من الدول العربية؟
في تلك الأجواء بدأت تجرى اتصالات ولقاءات من بعض الدول العربية مع القيادة السورية، بالسفر إلى دمشق، وبلقاءات في بعض الدول التي دعي الرئيس السوري لزيارتها.
ثم جاء القرار الذي اتخذه مجلس جامعة الدول العربية، تصاحبه مقولة تؤكد معنى الحلول العربية لأزمات المنطقة، بعيداً عن دوافع لدول، خارجية أو إقليمية، ثبت بالفعل أنها كانت تزيد الأزمة في سوريا اشتعالاً، وليس إطفاء نيرانها.
إن إعادة قضية الأزمة في سوريا، أو في غيرها، إلى أيدي أصحاب الشأن الذين يتصرفون وفق مصالح الدول التي تتعرض لمثل هذا النزاع، وليس حسب توجهات قوى خارجية، كانت لها منذ بدء الأزمة السورية حساباتها، وبالطبع فإن اشتباكها في نزاعات ومشاكل تخصها في مناطق العالم– ومنها على سبيل المثال ارتباطها بحرب أوكرانيا– لابد أن يجذب اهتمامها، بعيداً عما يجرى في منطقتنا، ما كان يمكن أن يطيل أمد المشكلة السورية إلى أكثر من 12 عاماً، ما يمثل استمرارية تدمير دولة من الداخل، وإلقاء شعبها في أتون مأساة إنسانية طالت كثيراً.