عادي
التنظيم الإرهابي يبحث عن «قبلة الحياة» في إفريقيا وآسيا الوسطى والقوقاز

«داعش».. الخطر المنسي

00:06 صباحا
قراءة 7 دقائق
Video Url
1

د. أيمن سمير

وسط انشغال العالم بالتداعيات السلبية للحرب الروسية الأوكرانية، ومع تركيز أمريكا والصين على التنافس في بحر الصين الجنوبي ومنطقة الإندو- باسيفيك، وفي ظل الصراع الحاد بين تحالفات «الناتو» و«الأوكوس» و«الكواد» و«العيون الخمس» من جانب، وروسيا والصين من جانب آخر.

وسط كل ذلك نسي العالم أو تناسى قضية من أبرز القضايا التي تؤثر في الأمن القومي لأغلب دول ومواطني العالم، وهي قضية مراقبة ومكافحة التنظيمات والجماعات الإرهابية، وفي مقدمة تلك التنظيمات، تنظيم «داعش» التي تقول كل المؤشرات الدولية، ومنها تقارير الأمم المتحدة ومفوضية الاتحاد الأوربي لمكافحة الإرهاب، إن تنظيم «داعش» يستغل انشغال العالم «بالحروب الجديدة» و«الصراعات الناشئة» من أجل مزيد من التغلغل، وحشد الأنصار، وجمع الأموال، بالتوازي مع السيطرة على مزيد من الأراضي عبر شبكة واسعة من الفروع في مختلف أقاليم العالم.

الصورة

في إفريقيا زاد «داعش» من توسعه ليس فقط في جنوب ليبيا؛ بل بات له وجود كبير في 5 دول تشكل إقليم الساحل والصحراء من حدود السودان غرباً حتى بوركينا فاسو غرباً، كما بات «داعش» خطراً غير مسبوق في منطقة البحيرات العظمي في قلب القارة، كما أن دول غرب إفريقيا باتت في مرمى نيران التنظيم، وما زالت تبحث عن أدوات يمكن من خلالها احتواء «داعش»

وفي آسيا يمكن ملاحظة انتشار «داعش» بشكل واسع في شرق أفغانستان، وبالقرب من الحدود الصينية الأفغانية، وفي منطقة القبائل على الحدود الأفغانية الباكستانية، كما يحاول التنظيم من خلال بث الدعاية والتجنيد وحشد الأنصار في كل من طاجيكستان وقرغيزستان وأوزبكستان وكازاخستان أن يدعم ولايته؛ «ولاية خرسان» في كل آسيا الوسطى وجنوب وشمال القوقاز، ناهيك عن التحذير من التنظيم في جنوب شرق آسيا، بعد أن حاول التنظيم في السابق تأسيس ولاية له في «ماراوي» بولاية «مندناو» جنوب الفلبين، ولا يقتصر الأمر على إفريقيا وآسيا ومنطقة المشرق العربي؛ بل يحاول التنظيم منذ جائحة «كورونا» أن يستفيد من التداعيات السلبية التي مرت بها أوربا، ليقوم بتجنيد الكثير من الشباب؛ حيث كانت فرنسا في أحد الأيام أكبر مصدر لعناصر «داعش» في أوربا، فما المساحات الجديدة التي يحاول «داعش» السيطرة عليها وضمها إليه؟ وما الأسباب التي تساعد التنظيم على هذا التغلغل الجديد؟ وهل من مقاربة دولية تعيد إلى الأذهان النجاح العالمي في مكافحة الإرهاب، عندما تشكل التحالف الدولي لمكافحة «داعش» في سوريا والعراق عام 2014؟

الصورة

أين وصل «داعش»؟

الثابت أن «داعش» انبثق عن الفرع العراقي ل«القاعدة» عام 2006، وبعد ذروة أعمال العنف في العراق عام 2007 و2008 وبروز الصحوات وإرسال آلاف الجنود الأمريكيين للعراق في عهد أوباما، توقع البعض أن ينتهي التنظيم، لكن فوجئ الجميع ب«داعش» في عامي 2013 و2014 يسيطر على أراضٍ واسعة في سوريا والعراق، تشمل 7.7 مليون نسمة، وفق بيانات الأمم المتحدة، وتطلبت هزيمته في سوريا والعراق، تشكيل تحالف دولي ضم 79 دولة حتى تم القضاء على دولة «داعش» في العراق عام 2018، وفي سوريا عام 2019، عندما تم تحرير قرية الباغوز من سيطرته

لكن هذه الهزيمة في سوريا والعراق كان لها تأثيرها في مسارين، الأول هو تراجع الاهتمام بمكافحة «داعش» على المستوى العالمي، بعد تراجع قدرات التنظيم، والثاني انتقال التنظيم إلى مناطق وحواضن أخرى، ومع تنامي التنافس الدولي والصراع بين الشرق والغرب، يخشى الكثيرون أن تكون المرحلة الحالية بمنزلة إعادة إحياء للتنظيم ليس عن طريق التجاهل؛ بل على الأقل من خلال الانشغال بقضايا أخرى.

فما أهم عوامل ظهور التنظيم من جديد سواء في سوريا والعراق أو في أقاليم ومناطق أخرى؟

أولاً: توجيه الجهد والموارد إلى قضايا جديدة، فالولايات المتحدة ودول حلف الناتو والاتحاد الأوربي التي شاركت في تأسيس التحالف الدولي، لمحاربة «داعش» في سوريا والعراق في سبتمبر/ أيلول 2014 باتت اليوم مشغولة في تنافس دولي واسع ومكلف، ويحتاج إلى موارد دبلوماسية واقتصادية وعسكرية هائلة، وجاءت هذه الاهتمامات الجديدة على حساب الحرب على الإرهاب التي شكل الانسحاب الأمريكي من أفغامستان نهاية أغسطس/ آب عام 2021 فرصة كبيرة لانتشار «داعش» في أفغانستان وغيرها من مناطق آسيا الوسطى.

ثانياً: تراجع الإسهامات الغربية والإقليمية الأخرى في محاربة التنظيم، نتيجة لتغيرات جيوسياسية وسياسية في مناطق كثيرة من العالم، على سبيل المثال قامت فرنسا وألمانيا بسحب قواتهما من منطقة الساحل والصحراء، نتيجة للخلاف مع الحكام الجدد لدول مثل مالي وبوركينا فاسو، وهو ما ترك تلك المناطق فريسة للتنظيمات الإرهابية؛ وفي مقدمتها «داعش» و«القاعدة»، كما أن الضربات التي وجهها «داعش» لقوات حفظ السلام في إفريقيا دفع الدول المساهمة في قوات حفظ السلام إلى سحب قواتها من تلك المناطق أو على الأقل التقليل منها.

ثالثاً- استفاد «داعش» من الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي يمر بها العالم عبر دفع التنظيم للأموال؛ بهدف تجنيد مزيد من الشباب الساخطين على الأوضاع الاقتصادية التي زادت سوءاً مع جائحة «كورونا»، وطول أمد الحرب الروسية الأوكرانية، خاصة في المناطق التي كانت بالفعل مناطق فقيرة مثل وسط وغرب إفريقيا.

رابعاً العامل المشترك في كل المناطق التي يتوسع فيها «داعش» هو ضعف مؤسسات الدولة والهشاشة الأمنية وتراجع دور الجيوش الوطنية فيها بشكل حاد، وهذا واضح جداً ليس فقط في إفريقيا، لكن في بعض المناطق الآسيوية أيضاً التي يعتمد فيها «داعش» على استغلال ديناميكيات الصراع، وهشاشة الحكم وعدم المساواة بين العرقيات والمكونات الاجتماعية والسياسية المختلفة.

خامساً- استفادة «داعش» من التطورات التكنولوجية الجديدة ليس فقط في مزيد من تجنيد العملاء وحشد الأنصار من مختلف دول العالم؛ بل أيضاً من خلال استخدام الطائرات بدون طيار، وحدث هذا أكثر من مرة في العراق، وفق بيانات وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لشئون مكافحة الإرهاب فلاديمير فرونكوف.

سادساً- يعتمد جزء رئيسي في إعادة هيكلة «داعش» وإعادة تعويمه على تغيير التكتيك الذي يعتمده التنظيم في الإدارة، فهو بات تنظيماً غير مركزي بامتياز يترك للفروع الحرية الكبيرة في جمع الأموال والتعاطي مع البيئة المحلية وفق ما يراه فرع التنظيم، وأسهم هذا الأمر في توسع أفقي غير مسبوق للتنظيم الذي تخلى أيضاً حتى لو كان مؤقتا عن «استراتيجية احتلال الأرض».

سابعاً- تنظيم «داعش» عابر للحدود، ويحتاج العالم إلى تعاون عابر للحدود لمواجهة التنظيم، خاصة فيما يتعلق بالجانب المعلوماتي والاستخباراتي، لكن هذا التعاون شهد تراجعاً كبيراً، وفق تقديرات الأمم المتحدة ومؤشر مكافحة الإرهاب الدولي، وظهر هذا التراجع في التنسيق بين الدول مع جائحة «كورونا».

توسع متزايد

تشير تقديرات الأمم المتحدة والاتحاد الأوربي إلى محاولات كبيرة لإحياء تنظيم «داعش» عن طريق العمل على «طبعات جديدة» من التنظيم تكون أشد خطورة وأكثر دموية من طبعة «داعش» التي أسسها أبو بكر البغدادي، وهناك ظهور قوي للتنظيم في هذه المناطق:

أولاً: الحدود السورية العراقية، وينشط فيها نحو 10 آلاف عنصر من «داعش»، ناهيك عن نحو 70 ألفاً من عائلات وأطفال «داعش» في المخيمات التي يديرها الأكراد في العراق، كما استطاع التنظيم جمع أموال ضخمة؛ بل واستثمار هذه الأموال في مشروعات استثمارية؛ بهدف تعظيم العائد المادي للإنفاق على نشاط التنظيم في سوريا والعراق، وعلى الرغم من النجاحات الكبيرة التي تحققت ضد التنظيم خلال الأعوام الماضية فإن هناك تخوفاً من السرعة الكبيرة التي يحشد بها التنظيم العناصر الانتحارية وحجم الأموال الكبير الذي يتدفق على التنظيم، ناهيك عن أن الاستقرار الكامل والمثالي لهذه المنطقة ما زال بعيداً، خاصة أن الهشاشة الأمنية في تلك المنطقة لا تتعلق فقط بالبيئة والسياسة المحلية؛ بل بالتنافس والصراع الإقليمي والدولي.

ثانياً: يشكل شرق أفغانستان، خاصة المناطق القريبة من الحدود الصينية، بيئة خصبة لنشاط «داعش» الذي يحارب حركة طالبان في الكثير من الأقاليم والولايات الأفغانية، ويستفيد «داعش» من روايته ضد الصين وضد مشروع الحزام والطريق الصيني، لدعم صفوفه في هذه المناطق، ويدعي «داعش» في أفغانستان «ولاية خرسان» أن له امتدادات ليس فقط في أفغانستان؛ بل في كل دول جنوب القوقاز وآسيا الوسطى، ويزيد من خطورة الأمر أن التنظيم لديه خطة للتوسع في شمال القوقاز، وهي الجمهوريات الإسلامية التابعة للاتحاد الروسي مثل الشيشان وأنجوشيا وبشكيريا وغيرها، وهذا ما رصده جهاز الأمن الفيدرالي الروسي خلال 2021 و2022، كما ينظر التنظيم إلى دول آسيا الوسطى بأنها «الخزان البشري» الجديد، لتجنيد المزيد من المتطرفين من كازاخستان وأوزبكستان وطاجيكستان وتركمانستان وقرغيزستان، وهو استمرار لتجنيد التنظيم، المئات من تلك المناطق في فترة ذروة التنظيم عامي 2015 و2016 في العراق وسوريا عندما جاء بهؤلاء من القوقاز، ليشكلوا ما سمي بكتيبتي «التوحيد والجهاد» و«الإمام البخاري» في المشرق العربي.

ثالثاً: الحدود الباكستانية الأفغانية، الكثير من مراكز الأبحاث والدراسات الغربية وخاصة الأمريكية اعتبرت هذه المنطقة من أشد المناطق خطورة والتي ينشط فيها «داعش»، ناهيك عن بعض الفروع الأخرى للتنظيم في جنوب شرق آسيا، خاصة في جنوب الفلبين، ومحاولة التنظيم أن يجند بعض الأنصار في ماليزيا وأندونيسيا؛ حيث انتقل جزء من هؤلاء المقاتلين في السابق إلى سوريا والعراق.

رابعاً: إفريقيا، بسبب توافر أغلب أسباب توسع «داعش» في القارة، ترى الأمم المتحدة والاتحاد الأوربي أن إفريقيا هي أكثر المناطق التي ينشط فيها «داعش» في تلك الآونة، بسبب ما تعانيه من مشاكل الفقر، وعدم الاستقرار السياسي، وهشاشة البيئة الأمنية في دول كثيرة مثل مالي وبوركينا فاسو والنيجر والكونغو الديمقراطية، وصولاً إلى منطقة البحيرات وموزانبيق، وهناك عامل إضافي يشكل عامل جذب ل«داعش» في إفريقيا، وهو ظهور مزيد من آبار النفط والغاز، إضافة إلى النشاط المعروف ل«داعش» في دول الساحل والصحراء والساحل الغربي لإفريقيا، يشكل ما يسمى بتحالف «القوى الديمقراطية» في شمال أوغندا والذي ينشط في دول الجوار الأخرى مثل الكونغو، خطراً كبيراً بعد أن أعلن التحالف منذ عام 2016 ولاءه ل«داعش» الإرهابي الذي يطلق على التحالف «ولاية وسط إفريقيا»

المؤكد أن «داعش» يستغل الانشغال العالمي بقضايا سياسية أو اقتصادية لإحياء نفسه وإعادة بناء فروعه وهياكله على أسس أكثر خطورة، وهو ما يتوجب على المجتمع الدولي المزيد من الانتباه حتى لا يستيقظ العالم على خطر إرهابي جديد تؤكد كل المؤشرات أنه سوف يكون أشد دموية من النسخ السابقة والحالية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3yerat83

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"