رفات أمير إثيوبي في باكنغهام

00:41 صباحا
قراءة دقيقتين

د. حسن مدن
هل يمكن تصوّر روسيا وأدبها، وشعرها خاصة، بدون اسم شاعرها الأكبر ألكسندر بوشكين؟ هذا محال. وبوشكين الذي ولد في موسكو في 6 يونيو 1799، يتحدّر من سلالة النبلاء، فأمه ناديشد أويبافنا هي حفيدة إبراهيم هانيبال، وهو من أصل إثيوبي أهدي للقيصر بطرس الأكبر، وأصبح في ما بعد من الضباط المقربين في القصر، وورث بوشكين من جد أمه الإثيوبي ملامحه الإفريقية، ويعتقد أنه استوحى من علاقة الجد بالقيصر عمله الشهير «ربيب بطرس الأكبر».

لم يرَ الشاعر بوشكين إثيوبيا، ولكن هذه الأخيرة ظلت تعتقد أن لها حقاً فيه، كيف لا وجدّ أمه إثيوبي؟ وجرى الاتفاق بين أديس بابا وموسكو، على أن تنقل الأخيرة لها تمثالاً كبيراً لبوشكين؛ لنصبه في ميدان بارز بالعاصمة، خاصة أنها أطلقت اسم الشاعر على أحد شوارعها. ويذكر أن هناك سجالاً بين إثيوبيا وإرتيريا المنفصلة عنها حول نسبة جدّ بوشكين، فكلتاهما تقول بأنه يتحدّر منها.

هناك إثيوبي آخر، هو على خلاف بوشكين ولد في إثيوبيا، وقادته الأقدار إلى بريطانيا، ليدفن في قلعة ويندزور في القرن التاسع عشر، هو الأمير أليماييهو الذي وصل إلى المملكة المتحدة وهو في السابعة من العمر؛ حيث أصبح يتيماً بعد وفاة والدته خلال الرحلة، وتطالب عائلة الأمير، بل وإثيوبيا كلها، بإعادة رفات الأمير إلى مسقط رأسه، وسط رفض قاطع من قصر باكنغهام لذلك، بدعوى أن استخراج رفاته من الممكن أن يؤثر على رفات أشخاص آخرين مدفونين بالقرب منه أسفل كنيسة سانت جورج بقلعة ويندزور.

وينسب لسلالة الأمير، الذي توفي عن ثمانية عشر عاماً فقط بسبب إصابته بمرض تنفسي، قولها إن قرار دفنه في المملكة المتحدة لم يكن صائباً، وتقول امرأة من تلك السلالة: «أشعر بالتعاطف معه، وكأنني أعرفه. لقد اقتُلع من إثيوبيا، اقتلع من إفريقيا، موطن أصحاب البشرة السوداء، وبقي هناك وكأنه ليس له وطن».

أما كيف قادت الأقدار هذا الأمير إلى المملكة المتحدة، فذلك عائد إلى التاريخ الاستعماري البريطاني، وليس إلى سبب سواه؛ حيث تقول الحكاية، إن والد الأمير، الإمبراطور تواضروس الثاني، وفي مسعى لتقوية إمبراطوريته رغب في العام 1862، في إقامة تحالف مع المملكة المتحدة، لكنه لم يتلقَّ رداً من الملكة فيكتوريا، فقرر الرد بطريقته الخاصة، فقام باحتجاز بعض الأوروبيين رهينة، ومن بينهم القنصل البريطاني، ما دفع الملكة إلى شن حملة عسكرية ضخمة انتهت بانتحار الأمير وأسر عائلته، ونقلها إلى بريطانيا، فضلاً عن نهب آلاف القطع الأثرية الثقافية والدينية، بينها تيجان ومخطوطات وقلادات وثياب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/y98cube9

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"