مفارقات التعليم العربي

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

كيف السبيل إلى حصر هذا الموضوع المتشعّب؟ الخلية الأولى لهذا المحور تتمثل في أن أنظمة التعليم العربية، تنتج في نهاية مطاف المراحل، خرّيجين في تخصصات محدودة. علوم كثيرة ومعارف شتّى كأنها لا تعني العرب، في فروع العلوم التطبيقيّة والعلوم الإنسانيّة. كأنها ضربة حظ للذين تبتسم لهم فرص الدراسة في جامعات الخواجات، أو العمل في مؤسسات البحث العلمي العالميّة. هذا يعني أن نظرة المناهج إلى العالم محصورة في نطاق ضيّق، حتى في الأمور التي تتعلق بالعالم العربي. لا شك في أن للتنمية الشاملة دخلاً كبيراً، من ذلك، الجسرُ العضويّ المتين بين المناهج والبحث العلمي. ألاَ يحزّ في النفس أن الأوروبيين كانوا يتدفقون منذ القرن الثامن عشر على المضارب العربية، من ألمانيا وبريطانيا وفرنسا والدنمارك، تنقيباً عن الآثار وبحثاً عن المخطوطات؟ طريف أن بلاط الدنمارك كانت لديه تلك الاهتمامات منذ ذلك العهد.
لكن، الاستطراد هنا ضرورة قصوى: ألا نحمد الله ونشكره كثيراً، على تلك المكرمات، أن الأوروبيين ملأوا متاحفهم بكنوز التاريخ المصري القديم ووادي الرافدين وسوريا وبلاد المغرب العربي واليمن، وسائر بقاع الخريطة العربية، وإلاّ كانت باتت حطاماً وركاماً بمعاول «الدواعش»، خدمةً لحمَلة رايات التحرير ونشر الديمقراطية؟
ما فائدة العجب، إذا علمتَ أن الجامعات العربية لا توجد في مناهجها محاضرات عن تاريخ العالم العربي، وبعض حضاراته القديمة، بقدر ما لدى عدد من الجامعات الأوروبية؟ المسائل متروكة للمصادفات، فإذا حدثت اكتشافات صارخة غير عاديّة، فخبر في وسائط الإعلام، والسلام. هذه الزلاّت العلمية المعرفية الحضارية، يمكن درء أخطارها ومساوئها بجهود وخطط إداريّة وماليّة معقولة لا تعجز الدول، خصوصاً إذا تشاركت في مشاريع تفيد الجميع. نعود بالضرورة إلى العقول المهاجرة. لدى العرب ثروات علمية في جامعات العالم ومراكزه العلمية. تلك الأدمغة اكتسبت على مرّ السنين خبرات لا تُقدّر بثمن. الحرب الأوكرانية أعطتنا صوراً معبّرة بليغة، عن نهم البلدان الأوروبية إلى الكفاءات. فرنسا، بعد تمهيد ساحر البيان عن المأساة التي يقاسيها الأوكرانيون، بشّرت أدمغة الرياضيات، الفيزياء، الكيمياء، الأحياء، والمعلوماتية، الأوكرانيين بأنهم سيحظون بالإقامة الدائمة والسكن والعمل برواتب عالية، خصوصاً النساء! أمّا النمسا فقد أعلنتها صراحة: الهجرة مقتصرة على تلك التخصصات ذاتها.
إذا عادت أسراب من الأدمغة العربية المهاجرة أو الهاربة من عدم التطوّر، محمّلة بثروات من طرائق أداء مراكز البحث العلمي في شتى التخصصات، فسوف يُسدّ الثقب الأسود العلمي المعرفي، الذي لم يكن يسدّه سدّاد، ولا يفيد فيه نجّار ولا حدّاد.
لزوم ما يلزم: النتيجة الحاتميّة: أنظمة التعليم العربية مختبر معادن، الخالص النفيس يأخذه الغرب بلا عناء، والباقي للعالم العربي. عبقرية وسخاء.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/akmwe5nc

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"