عادي

آلان تورنغ.. عبقري غير العالم

19:43 مساء
قراءة 3 دقائق

القاهرة: الخليج

نعيش اليوم وسط أجواء الثورة المعلوماتية، ويمثل البحث في حياة عالم الرياضيات والحاسوب البريطاني آلان تورنغ مثالاً لما ينبغي أن يكون عليه البحث في الأصول الأولى التي أدت إلى تشكيل العالم الحديث، في جانبين أساسيين منه: الحاسوب والذكاء الاصطناعي.

وإذا أضفنا إلى هذه الحقيقة حقيقة أخرى بشأن الجانب الدرامي الذي انطوت عليه حياة تورنغ فستتكشف أمامنا خلفية المشهد العالمي، الذي شهد بواكير الثورة المعلوماتية والحاسوبية، وتطوير الآلات التي عمل عليها تورنغ.

توضح الكاتبة العراقية لطفية الدليمي، في مقدمة ترجمتها لكتاب «آلان تورنغ.. مأساة العبقري الذي غير العالم» لمؤلفه «جم إليدرج» أن مأثرة تورنغ العظمى – إلى جانب مساهماته العلمية والتقنية الكبرى – في أن عمله المنجز خلال الحرب العالمية الثانية كانت له آثار استراتيجية ساخنة، ويرى الكثير من الخبراء المميزين في ميدانهم أن العمل الجبار الذي اضطلع بأدائه تورنغ وفريقه العامل معه في فتح شفرة «إينيغما» الألمانية قد أسهم مساهمة مباشرة في تقليص مدة الحرب العالمية الثانية، ما بين سنتين إلى أربع سنوات، بحسب التخمينات السائدة، ولولا جهود تورنغ العظيمة لكان وارداً أن بريطانيا كانت ستعاني مجاعة، تدفعها بالضرورة إلى خسارة الحرب.

كان العالم الألماني آرثر شيربيوس قد اخترع عام 1923 آلة يمكن استخدامها في اتصالات عالية السرية، وقد دعا هذه الآلة «إينيغما» التي تعني اللغز، وتمتاز تلك الآلة بخاصتين: تتغير الشفرات المستخدمة ما بين الفينة والأخرى، وتعتمد على استخدام منظومة تشفير ميكانيكي تمتلك التريليونات من احتمالات الحل الممكنة؛ لذا لا يمكن فك شفرة الرسائل المستلمة من الآلة.

عرفت البلدان المعادية لألمانيا بوجود تلك الآلة، واندفعت الهيئات الاستخبارية لمعرفة الطريقة الكفيلة بفك مغاليق شفرتها، وتمكن بعض العملاء من وضع اليد على الكتيب الخاص بتشغيل الآلة، وفك الرياضيون البولنديون الشفرة، وعرف الألمان بالأمر، فطوروا الآلة حتى باتت عصية على الفك من الناحية النظرية.

  • مهمة صعبة

في يوم 4 سبتمبر/أيلول عام 1939 دعي آلان تورنغ لمهمة خاصة، وكان في السابعة والعشرين من العمر، وكانت نتيجة العمل فتح الشفرة، وفي نوفمبر/تشرين الثاني 1942 أرسل إلى أمريكا، وشرح للفريق الأمريكي كيفية فتح الشفرة، ثم عاد إلى بريطانيا، وعمل على تحويل الكلام البشري إلى شكل صوتي مشفر، وكان يعتمد في ذلك على بناء آلة قادرة على ذلك.

وتمكن آلان وفريقه البحثي الصغير من تحقيق النجاح في مارس/آذار 1944 فقد استطاعوا حينئذ تشفير تسجيل لكلام ألقاه تشرشل ثم أرسلوه على شكل رسالة مشفرة ساكنة، ثم أعادوا فتح شفرته، واسترجعوه بمثل ما كان في الأصل، وكانت الحرب العالمية الثانية على وشك الانتهاء.

وسعى آلان برغم كل شيء، إلى المضي في مواصلة عمله الذي شرع فيه أثناء عمله على فتح الشفرة الألمانية، ذلك العمل البحثي الذي انتهى بتخليق النماذج الأولية من الحواسيب الإلكترونية في أمريكا، وكذلك عمل في إطار مشروع لبناء آلة مفكرة حقيقية ومعقدة التركيب والوظائف.

نجح في فبراير/شباط 1946 في إنجاز تصميم لحاسوب إلكتروني (آلته المفكرة العتيدة)، وأدرك خلال مراحل عمله أن المعضلة الحقيقية في بناء آلة مفكرة ذات مفاعيل مؤثرة إنما تكمن في سرعة الآداء، وأن العنصر الحاسم في تصنيع آلة مفكرة سريعة العمل هو ذاكرتها، وفي عام 1950 نشر مقالاً بعنوان «الآلات الحاسبة والذكاء»، وقدّم ما صار يعرف لاحقاً باختبار تورنغ.

  • وفاة غامضة

بالرغم من أن آلان تورنغ يعدّ من قبل كثيرين «أبو الحاسوب الحديث»؛ فإن شهرته الذائعة ستبقى دوماً مرتبطة باختباره العبقري الذي تمكن من فتح شفرة «إينيغما» الألمانية، وفي كل الأحوال ارتبط موته بنوع من الغموض، فيرى كثيرون أن موته كان انتحاراً، بينما يرى آخرون أنه قتل على أيدي المخابرات البريطانية خشية لجوئه إلى روسيا، ورتبت المخابرات البريطانية ذاتها مشهد موته ليبدو كواقعة انتحار مقصود.

كان آلان يعمل في مشروعات حكومية فائقة السرية، وقد حاز معلومات استراتيجية بخصوص الأمن القومي البريطاني، وهذا ما دعا كثيرين إلى التساؤل: هل مات بفعل انتحار مقصود أم بفعل حادثة طارئة أم حتى بعملية قتل مدبرة؟ على كلٍّ فقد حقّق تطويرات مهمة في ميدان الذكاء الاصطناعي ودفع علوم الحاسوب إلى آفاق بعيدة، بعد أن طور نماذج بدائية من آلات تتحدث الكلام البشري المنطوق وتفهمه، ما عساه يكون هدف آلان تورنغ؟ هل يريد حاسوباً بشرياً عضوياً هجيناً أم آلة تصمم نفسها وتنتج نسخاً مطورة منها؟.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/29fwxkhs

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"