الانتخابات الرئاسية التركية ولغة الأرقام

00:57 صباحا
قراءة 3 دقائق

د.إدريس لكريني

شهدت تركيا قبل أيام تنظيم انتخابات رئاسية، اعتبرها كثير من المراقبين أنها تمثل إحدى أهم الانتخابات في تاريخ تركيا، بالنظر إلى الظرفية المفصلية التي تحيط بها على المستويين الداخلي والدولي.

 فعلى المستوى الوطني، نظمت هذه الاستحقاقات في ظل مجموعة من الإشكالات الاقتصادية والاجتماعية، والتي عمقتها التحديات التي فرضها الزلزال المدمر الذي شهدته البلاد خلال فبراير/شباط الماضي.

 أما على المستوى الدولي، فقد مرّت في أجواء دولية سمتها التوتر والاضطراب، وبخاصة بعد اندلاع العمليات العسكرية الروسية داخل أوكرانيا، وما تطلبه الأمر من اعتماد مواقف مرنة ومحايدة في محيط ملتهب.

 حظيت هذه الانتخابات باهتمام إقليمي ودولي كبير، بالنظر إلى التحركات التي باشرتها تركيا على صعيد عدة دوائر خلال العقدين الأخيرين، والرغبة في رصد توجهات الرئيس القادم بصدد عدد من القضايا الإقليمية والدولية الشائكة.

 وفي الوقت الذي حاول فيه رجب أردوغان، أن يروج لعدد من الملفات التي اعتبرها إنجازاً طبع مسار ولاياته السابقة، والتأكيد على اعتماد مجموعة من الإصلاحات الكفيلة بتحسين أحوال المواطن، وبتطوير اقتصاد تركيا وتعزيز مكانتها الدولية، فإن المعارضة وعلى رأسها زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كيليشدار أوغلو، حاولت من أن تتوقف عند مجموعة من الإشكالات التي رافقت تجربته أردوغان في هرم السلطة، مع التعهّد بإرجاع اللاجئين السوريين إلى بلادهم.

 لم تسمح الجولة الأولى من هذه الانتخابات بحسم الأمر، بسبب عدم حصول المرشحين الرئيسيين على النسبة المطلوبة في هذا الخصوص، ما فتح المجال أمام تنظيم جولة ثانية.

 وقد انتهت الجولة الثانية بفوز أردوغان بعد حصوله على ما يناهز 52 في المئة من الأصوات، متجاوزاً خصمه السياسي أوغلو الذي حصل على ما يناهز 48 في المئة من الأصوات.

 إن من أهم السمات التي طبعت هذه الانتخابات الرئاسية، هي نسبة المشاركة المرتفعة التي ناهزت 88,99 في المئة في الدور الأول وحوالي 83,99 في المئة في الدور الثاني، والتي تعكس الاهتمام المتزايد بالشأن العام من جهة، وكذا الوزن الذي يحظى به أردوغان وأوغلو، ببرامج وتوجهات داخلية وخارجية متباينة.  كما تميزت بحضور عدد من الأحزاب التي تمثل أطياف المجتمع المختلفة، فيما كان هناك حرص على توفير الشروط التقنية والأمنية لمرورها في أجواء يطبعها الهدوء والالتزام بالقانون. ومع ذلك، لم تخل هذه المناسبة من مشاكل، فقد وجه أوغلو الاتهام لروسيا معتبراً أنها مارست قدراً من الضغط عليه لدفعه نحو الانسحاب من التباري حتى يصبح الجو مناسباً لفوز أردوغان، فيما اعتبر أنصار هذا الأخير، أن مرشح المعارضة يحظى بدعم أمريكي وغربي واسع، خصوصاً أن الولايات المتحدة، اعتبرت أن عودة أردوغان إلى السلطة، سيمثل منزلقاً نحو الديكتاتورية.

 على الرغم من الأزمات التي تمر بها تركيا؛ حيث ارتفع معدل التضخم خلال السنة الماضية، وتصاعد غلاء المعيشة، استطاع أردوغان، أن يكسب تعاطف عدد مهم من الناخبين، بعدما روج للعدد من المكتسبات التي حققتها تركيا في عهده، والتي سمحت بانتعاش الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، بعد تطور الصناعة وارتفاع نسب النمو.

 لا يمكن فصل هذا الفوز عن بعض المتغيرات والأحداث المتراكمة، فقد قاد حزب العدالة والتنمية، مجموعة من التعديلات الدستورية منذ وصوله إلى السلطة، وفي الوقت التي اعتبرها مدخلاً للنأي بالمؤسسة العسكرية عن الحكم، أكد خصومه أن الأمر يتعلق بتكريس ممارسات دكتاتورية.

 فيما تنامي الحضور التركي على المستوى الإقليمي، وبخاصة مع محاولات أنقرة تغيير موازين القوى في الشرق الأوسط، وتدخلاتها في بعض الدول العربية كسوريا وليبيا، في أعقاب ما يسمى «الربيع العربي»، إضافة إلى توفير شروط عقد الاتفاق الروسي- الأوكراني بخصوص تصدير الحبوب.

 لقد استطاع أردوغان، أن ينتزع بصعوبة وفي ظرفية داخلية ودولية لا تخلو من تحديات، الفوز بولاية رئاسية جديدة، تمثل فرصة لتعزيز الإصلاحات وتطوير العلاقات مع المحيط الإقليمي، خصوصاً أن لغة الأرقام وفارق الأصوات تحيل إلى أن المعارضة بدأت تستجمع قواها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4m59vda3

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"