عادي

توماس برنهارد يداعب الجنون

23:47 مساء
قراءة 3 دقائق
توماس برنهارد

القاهرة: «الخليج»

أصدرت دار سرد للنشر والتوزيع كتاب «صداقة مع ابن شقيق فيتغنشتاين» لتوماس بِرنهارد (9 فبراير 1931– 12 فبراير 1989) ترجمة سمير جريس، حيث تتنوع لدى برنهارد الأشكال والأجناس الأدبية، وتدور أغلب أعماله في فلك واحد: المرض والجنون والموت؛ فقد بدأ حياته الأدبية شاعراً، ثم اتجه إلى النثر، وفي مطلع الثمانينات لمع اسمه في دنيا المسرح في البلاد الناطقة بالألمانية، وعندما توفي في الثامنة والخمسين من عمره كان من أنجح «المهمشين» على ساحة الأدب الألماني المعاصر.

وُلد توماس برنهارد في إحدى مدن هولندا، لكنه قضى طفولته عند جده في الريف النمساوي، وهي فترة أثرت في حياته تأثيراً كبيراً؛ فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية قطع دراسته وبدأ العمل لدى أحد تجار السلع الغذائية في مدينة سالزبورج، وفي عام 1952 شرع في دراسة التمثيل والإخراج في أكاديمية موتسارت الفنية، إلا أن اهتمامه في الأكاديمية كان منصباً على الموسيقى لا التمثيل.

بعد التخرّج في الأكاديمية عمل مراسلاً لإحدى الصحف، حيث تخصص في كتابة النقد الأدبي والمسرحي والسينمائي، كما كان يهتم اهتماماً خاصاً بكتابة الريبورتاج الصحفي عن القضايا الجنائية من داخل قاعات المحاكم، غير أن الأعوام الحاسمة في حياته لم تكن تلك التي عمل خلالها صحفياً، ولا تلك التي درس أثناءها في الأكاديمية.

في عام 1949 أُصيب بداء السل الذي لم يفارقه حتى وفاته، وأجبره مراراً على الإقامة في المستشفيات والمصحات. الموت الذي تراءى لعينيه آنذاك ظل مهيمناً على أفكاره، مُشعراً إياه بالعجز أمام سلطته القاهرة، وبهشاشة الوجود الإنساني وعبثيته: «عندما تفكر في الموت يبدو كل شيء مدعاة للضحك».

إضافة إلى معايشة المرض العضال الذي كان يُدنيه من الموت تعرّف برنهارد إلى شخصين تركا أعمق الأثر فيه: جده لأمه، ورفيقة حياته. كان الجد كاتباً فاشلاً، وشخصاً مستبداً، ينتظر من العائلة كلها أن تضحي في سبيل مجده الأدبي.

أما الشخصية الثانية فهي رفيقة دربه، أو «إنسان حياته» كما يدعوها في «صداقة» كانت له أماً منذ أن التقته وهي في الخمسين، بينما لم يكن هو قد بلغ العشرين؛ (أي بعد فترة وجيزة من إصابته بالسل) وسرعان ما أضحت القارئ والناقد الأول لما يكتبه، كما كانت خير سند له ومعين في الأدب والحياة، وعندما توفيت عام 1984 بعد أن بلغت التسعين لم يستطع برنهارد أن يحيا دونها سوى خمسة أعوام، ثم لحق بها.

نشر برنهارد أول أعماله الأدبية عام 1957، وكان ديوان شعر بعنوان: «على الأرض وفي الجحيم» وفي عام 1963 نشر باكورة رواياته «صقيع»، وفيها -كما في مجموعته القصصية «تصحيح»- يعرض لأزمة الإنسان الفرد، فناناً كان أو عالماً؛ الإنسان الذي لا يرى في الحياة إلا ما ينذره بفناء الكون كله.

أما الوسيلة الفنية التي يستخدمها لتوضيح ذلك فهي الحوار الذاتي الطويل الذي يُلقيه البطل، ويكرر فيه أفكاره. شخصيات برنهارد القصصية بالغة الحساسية، تحيا على حافة الجنون، ولا تأمل من الناس سوى التفهّم والقبول، ومع مرور السنين تتزايد في أعمال الكاتب لهجة نقدية حادة حيال وطنه، ويتكرر في أعماله رمز معين هو رفض تسلّم ميراث ضخم يشير إلى رفض التسليم بسلطة الماضي.

في السبعينات اتجه برنهارد إلى المسرح، ومن مسرحياته «قبل التقاعد»، و«المظاهر خداعة»، و«ساحة الأبطال» التي عرضت قبل أشهر من وفاته، وفي «صداقة» يتحدث عن علاقته بباول فيتغنشتاين، ابن شقيق الفيلسوف المشهور لودفيغ فيتغنشتاين، وكانت أواصر الصداقة قد جمعت بينهما عام 1967، عندما كان الكاتب يُعالَج في مصحة لأمراض الرئة، بينما كان باول نزيلاً على بعد خطوات منه في مستشفى الأمراض العقلية.في هذا الكتاب يصف الأديب في نَفَسٍ سردي لا ينقطع السنوات الأخيرة من عمر صديقه، التي تعكس أيضاً جزءاً من السيرة الذاتية لتوماس برنهارد، وتأملاته حول الحياة والموت، والأدب والفن، والعقل والجنون.

 

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc442y7r

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"