عادي
صدر في الشارقة

«السكك الحديديّة السرّية».. ملحمة الحريّة

23:20 مساء
قراءة 6 دقائق

الشارقة: علاء الدين محمود

رواية «السكك الحديدية السرية»، للكاتب الأمريكي كولسون وايتهيد، التي صدرت في عام 2016، في الولايات المتحدة الأمريكية، من الأعمال السردية التي ستظل خالدة لفترة طويلة في أذهان القراء في مختلف أنحاء العالم، لكونها أشبه بالملحمة في تناول موضوع الحرية والعبودية، بشكل مبشر، وجريء، لا يعرف التواري وراء الأسباب الواهية، ولا الاختباء خلف المبررات، إذ إن العمل يقدم مرافعة، وإدانة واضحة لا لبس، فيها مع الاحتفاظ بأدوات وجماليات السرد الروائي.

العمل السردي الفخم وجد قبولاً وصدى كبيراً في مختلف أنحاء العالم، ولن تنتظر الرواية وقتاً طويلاً لكي تُعرف وتشتهر، فقد فازت في عام صدورها بجائزة بوليتزر 2016، والجائزة الوطنية في الأدب الخيالي 2016، وتم اختيارها في نادي كتاب أوبرا وينفري 2016، ودخلت القائمة الطويلة لجائزة ألمان بوكر، وفي عام 2018، صدرت الرواية عربياً، عن «روايات»، إحدى مجموعة شركات «كلمات» في الشارقة، بترجمة سماح جعفر، التي استطاعت أن تنقل روح النص، وعوالمه ببراعة كبيرة.

الكتاب يقع في 400 صفحة من الحجم المتوسط، وتجسّد هذه الرواية ملحمة عظيمة سطّرتها شابة من طبقة العبيد، وهي تحاول، بكل ما أوتيت من قوة، نيل حريتها قبل اندلاع الحرب الأهلية الأمريكية، وتتصدر الكتاب إضاءة كبيرة لقصة الرواية، وخلفياتها المتنوعة، بخاصة حكاية بطلة القصة كورا، إذ جاء في ذلك التصدير: «كورا، تعمل في مزرعة قُطن خلال الفترة التي سبقت نشوب الحرب الأهليّة الأمريكيّة في القرن الثامن عشر، يعيش العبيد وقتها حياة جحيميّة، غير أن كورا وجدت في حياتها ما هو أشدّ صعوبة؛ فهي لم تكن منبوذة وحسب، من قبل البِيض، بل وأيضاً من قِبَل إخوانها الإفريقيّين، لأن والدتها هربَت من المزرعة من دون أن يتمكّن صيّادو العبيد من إعادتها، وهذا حُلم كلّ عبدٍ، من دون استثناء؛ ولأسبقيّة جدّتها في الوصول إلى المزرعة قادمة في بطن سفينة عَبيد أبحرت من القارة السوداء. ينضم إلى المزرعة سيزر، العبد الذي اصطادوه في فرجينيا، فيُعجب بكورا ويُخبرها عن أمر السّكك الحديديّة السريّة: مهارب تحت الأرض لا يُعرف من حفرها، ومَن سعى إلى جلب القاطرات البدائيّة إليها، ولا يعرف البِيض الأعداء طريقًا إليها، وأين تقع، فالمداخل إليها مخبّأة ومموّهة. غير أن سيزر، الذي يعرض على كورا الهرب نحو الشمال، حيث يعيش السود أحراراً، يعرف شخصاً يدلّه على أحد المداخل، فتأخذ حياة كورا درباً لم تتخيّلها».

  • ركض وسرد

وجاء في مقدمة الرواية أن وايتهيد يُعالج في الرواية مسألة العبوديّة والظلم الأسود- الأسود، والخُدعة الأمريكية بشأن المساواة بين المواطنين منذ إعلان الاستقلال الأمريكي. ورغم كتابته السردية المتشظية التي تشبه اللقطات المتتابعة، والتي يضطرّ معها القارئ إلى إعادة القراءة دوماً، لا الركض مع السّرد حتى النهاية، فإن أسلوبه هذا يترك التأثير المرجوّ منه في نفس القارئ، وخياله، حيث يُعد المؤلف اليوم من الكتاب الذين لفتوا إليهم الانتباه بقوة، فقد ولد وايتهيد في مدينة نيويورك عام 1969، ونشأ في مانهاتن، درس في مدرسة ترينيتي، وتخرج في جامعة هارفارد عام 1991؛ وفي الكلية أصبح صديق الشاعر الكبير كيفن يونغ، ونشر العديد من الأعمال الروائية عقب التخرج، إضافة إلى كتاب عن التأمل في حياة مانهاتن، باعتبارها البلدة التي نشأ فيها المؤلف، والتي تحمل العديد من الذكريات والأسرار، وله العديد من المقالات في منشورات وإصدارات مختلفة بما فيها «نيويورك تايمز»، و«نيويوركر»، و«غرانتا»، و«هاربر».

  • صراع

العمل يتناول بصورة أساسية مسألة الصراع، ذلك الفعل الذي لابد منه من أجل نيل الحرية والحقوق، والسرد يقدم جملة من المفاهيم الفكرية والفلسفية، حيث تبدو الحرية في الرواية مسألة فطرية تولد مع الإنسان، وتتحكم في مساره من الطفولة إلى الشيخوخة، فهي قضية جوهرية، وتسقط الرواية ذلك الأمر على ما جرى في تاريخ حرج، ومعيب، من تواريخ الولايات المتحدة الأمريكية، المتمثلة في حقبة «العبودية»، خلال الفترة التي سبقت نشوب الحرب الأهلية الأمريكية في القرن الثامن عشر، والتي أهدرت خلالها الكثير من القيم الإنسانية، وتجرد البشر من جوهرهم، واغتربوا عنه تماماً، ليصبحوا مجرد وحوش آدمية، حيث تعمل الرواية على كشف الكثير من الأكاذيب، وتطل على المعاناة الحقيقية للسود القادمين من قارة إفريقيا، والذين تعرضوا لمأساة كبيرة من اضطهاد وتعذيب، والتعامل معهم كممتلكات خاصة عبر تشييئهم؛ أي جعلهم مجرد أشياء، أو أدوات من أجل خدمة السادة في أمريكا، من دون وضع أدنى اعتبار لآدميتهم، فجاءت هذه الرواية، على الرغم من انتهاء حقبة الاستعباد بشكله وصورته القديمة، لتكون شاهداً تاريخياً يقاوم النسيان.

  • صورة طبيعية

وربما ما يميز هذه الرواية، أنها لم تضع أصباغاً على وجه المرأة المناضلة؛ من أجل حريتها، أي لم تضع حولها صورة ذهنية لامرأة تتمتع بالأخلاق والطيبة، كامرأة مغلوبة على أمرها؛ بل على العكس من ذلك صنعت لنا صورة فتاة سيئة شريرة، فهذه الصورة تبدو طبيعية جداً، وغير مصطنعة، فحياة العبودية والاضطهاد هي صعبة في كل تفاصيلها، ولا يمكن أن تنتج إنساناً يتمتع بالطيبة، وما شابه من صفات يضيفها الكتاب في العادة على أبطاله، وشخوصه الرئيسية في مثل هذه الحالات، وعلى القارئ أن يتعامل مع بطل بملامح وأخلاق مختلفة، وهذا ما جسدته شخصية كورا التي وجدت في حياتها ما هو أشدّ صعوبة؛ فهي لم تكن منبوذة، وحسب من قبل البِيض؛ بل وأيضاً من قِبَل إخوانها الإفريقيّين.

  • فقر الروح

واستطاع المؤلف بالفعل في هذا العمل المختلف في كل شيء، أن يرسم قصة وملحمة أمريكا من الاستيعاب الوحشي للأفارقة، إلى الوعود التي لم يتم الوفاء بها في يومنا هذا، فهو يتناول البؤس اليومي في حياة فقيرة من كل شيء، ويرصد الطبائع السيئة للإنسان في الظروف غير الطبيعية، فالمالك للعبيد هو كائن بالغ السوء، يعامل عبيده بالقسوة الشديدة، ويستنفد طاقاتهم في العمل الشاق؛ بحيث يحل عليهم البؤس والإدقاع الروحي، فيتحول هؤلاء العبيد إلى مسوخ بشرية نسبة لتلك الحياة التي يعيشونها، فالبشر يفكرون عادة بطريقة معينة وفق الحياة التي عاشوها، وهذا بالضبط ما فعله المؤلف في هذا الرواية.

  • حكايات

ولعل ما يميز هذه الرواية أنها تنبض بحيوات مختلفة، من خلال حكايات وقصص متنوعة، ففي قطار السكة الحديدية يعيش القارئ مع الهاربين من العبيد في أجواء المخاطر المرعبة في جورجيا، فإلى جانب بطلة الرواية كورا، يوجد عدد من الهاربين من مزارع القطن؛ حيث حياة العبودية، منهم سيزر الذي أخبرها بأمر القطارات السريّة، وهو الذي اصطادوه في فرجينيا، فيُعجب بكورا، وفي رحلة الهروب تلك يتعقبهم صائد العبيد «ريدجواي»، المتخصص في هذه المهمة، وتذهب كورا في هذه الرحلة المروعة من ولاية إلى أخرى لتصل إلى الحرية الحقيقية.

اتسمت الرواية بالشجاعة والجرأة الشديدة، وتفردت بوجهة نظر جديدة ومختلفة حول العبودية، وعن وصمة العار هذه في التاريخ الأمريكي، ولعل من أهم مميزاتها أنها تنفتح على عوالم ظلت مغلقة أو مجهولة، أو لم يتم الاقتراب منها كثيراً، بخاصة تلك الخُدعة الأمريكية بشأن المساواة بين المواطنين منذ إعلان الاستقلال الأمريكي، كما أن العمل السردي المميز يقترب كثيراً من العلاقة الغريبة والعجيبة بين السيد والعبد، والمفاهيم المختلفة بين العالَمين المتباينين، ونسبة لثراء الرواية وقوتها، فقد تخاطفتها أيادي صناع الدراما والسينما، لتخلد أكثر، وتظل باقية تحمل العبرة، والمعاني، والدروس.

اقتباسات

  • الحياة ليست نهراً جارياً سلساً، بل هي مملوءة بالسّخام، والترابن والمستنقعات، وخطوات الهرب إمّا إلى المشنقة، وإما الشّمس.
  • اختطف مهاجمو (داهوميان)، الرجال أولاً، ثم عادوا إلى قريتها الليلة التالية من أجل النساء والأطفال.
  • قام القبطان بتنظيم مشترياته من العبيد في صفوف متعاقبة، حتى لا يجد نفسه محملاً بمجموعة ذات جذور مشتركة؛ خوفاً من التمرد.
  • تلك الأوهام منحت (أجاري)، الراحة بعد أن كانت أعباؤها تحطمها إلى ألف قطعة.
  • كانت بذلة الوكيل مصنوعة من أكثر الأقمشة التي رأتها بياضاً، بينما تومض على أصابعه خواتم ذات أحجار ملونة.
  • «كل شيء له قيمة، وإذا تغيّرت القيمة يتغيّر كل شيء؛ اليقطينة السليمة تساوي أكثر من تلك المتشققة التي لا تحتفظ بالمياه داخلها».
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yhhzcjma

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"