هل يمكن الاستغناء عن الصين؟

00:27 صباحا
قراءة 3 دقائق

أحمد مصطفى

ليس هذا سؤالاً استفهامياً، ولا استنكارياً بالطبع، إنما القصد هو بين بين – أي من قبيل التعجب والاستغراب. فقد تصور بعض الأمريكيين من غلاة الانعزاليين وأصحاب التوجهات اليمينية المتطرفة الجديدة، وأيضاً بعض مقابليهم على الجانب الآخر من الليبراليين المتسمّين بالشطط أن ذلك أمر ممكن. لكن بما أن العالم يظل فيه قدر كاف من العقلاء والحكماء، فإن استغناء العالم عن قوة صاعدة مثل الصين ليس وارداً.

 قبل فوز الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن في انتخابات عام 2020 أعلن عن استراتيجيته الرئيسية إذا أصبح رئيساً للولايات المتحدة. وكان ملمحها الرئيسي التصدي لصعود الصين وروسيا، وفي السياق تشكيل تحالف غربي واسع تقوده واشنطن. ذلك الرهان قام أساساً على أن في هذا التصدي إضعافاً لقوى جديدة يمكن أن تنال من مكانة أمريكا كقوة عظمى وحيدة ما بعد نهاية الحرب الباردة، وأيضاً دعم وتعزيز المكانة بقيادة تحالف غربي يعزز ذلك الدور الدولي الأمريكي.

 لذا تبدو إدارة بايدن الديمقراطية أكثر تشدداً في التعامل مع القوى الصاعدة، من إدارة دونالد ترامب الجمهورية السابقة التي كان البعض يتهمها بالانكفاء على الداخل، وبالتالي الإضرار بالاعتماد المتبادل بين دول العالم الذي هو الصخرة الأساسية لتطور العولمة بكل فوائدها. ورغم أن إدارة ترامب توسعت في العقوبات والإجراءات الحمائية تجارياً واستثمارياً مع الصين وغيرها إلا أنها لم تصل إلى حد استراتيجية بايدن القائمة على «التصدي»، أي فعل المواجهة النشط.

 قد يرى البعض أن ما فعلته أمريكا والغرب مع روسيا، من حصار اقتصادي وعقوبات غير مسبوقة بسبب الحرب في أوكرانيا، نموذج قابل للتكرار مع الصين. لكن الواقع، أن كل هذا الفعل النشط من أمريكا وحلفائها الغربيين لم يؤدّ إلى انهيار روسيا، أو حتى وقف صعودها بشكل تام ونهائي.

 حتى إذا لم تُعطِ الصين فرصة للولايات المتحدة لتكرار ما يفعلونه بروسيا معها، أي عبر ضم تايوان إلى «الوطن الأم» بالقوة، كما فعلت موسكو مع شرق أوكرانيا، فإن السياسة الأمريكية ماضية في محاولة وقف الصعود الصيني. وسبيلها في ذلك استغلال التحالف الغربي الواسع لفرض مزيد من العقوبات على الصين وفك الارتباط معها تجارياً واستثمارياً بهدف حصارها.

 لكن الأهم، أن الصين على مدى العقود الأربعة الأخيرة كانت المستفيد الأكبر من منحى العولمة وأصبح تشابكها التجاري والاستثماري مع رقعة واسعة من بلدان العالم معقداً إلى الحد الذي يصعب تفكيكه. من هنا أهمية مسألة «استهداف الصين»، ليس فقط لأن اقتصادها أصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ولكن لأنها طورته على أساس أن تصبح «مصنع العالم الكبير». وبالتالي هي مصدر القدر الأكبر من التجارة العالمية.

 لا يتوقع الكثير من زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى بكين، كأول وزير خارجية أمريكي في العاصمة الصينية منذ 2018. فقد سبق وزار وليام بيرنز، مدير ال«سي آي إيه»، الصين سراً قبل فترة والتقى المسؤولين هناك. لكن كل ذلك لم يوقف الصراع بين الاقتصادين الكبيرين في العالم. فالقوة العظمى الباقية (واشنطن) لا تريد لأحد أن يكبر لينافسها على مكانتها، أو حتى يدفع باتجاه «عالم متعدد الأقطاب». والقوة الصاعدة (بكين) تريد اختبار تطورها وتعارض سيطرة قوة عظمى وحيدة على النظام الدولي كله.

 من المحتمل أن تكون تلك محاولات تهدئة الصراع (وليس وقفه)، مقدمة لانشغال الإدارة الأمريكية بالانتخابات الرئاسية والتشريعية العام القادم. وإذا كانت إدارة بايدن تريد تحقيق أي (إنجاز مرحلي) في العلاقة مع الصين، فإن الرئيس الصيني شي جين بينج ليس متحمساً لأن يعطي تلك الإدارة ميزة انتخابية يواجه بها بايدن مرشح الحزب الجمهوري. ليس هذا فحسب، بل ربما تحاول الصين الاستفادة من تلك الرغبة الأمريكية، في خفض حدة الصراع لتحقيق أي مكاسب تكتيكية. لكن الصراع قائم ومستمر، ولن يشهد تغييراً واضحاً، إلا إذا خسر الديمقراطيون انتخابات العام القادم في أمريكا. وحتى ذلك الحين، تظل مسألة أن يخسر العالم الصين بمحاولة إضعافها بشدة أمراً غاية في الصعوبة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4wuf6bn3

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"