مناكفات دولية شرق الفرات

00:27 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ناصر زيدان

تحوّلت منطقة شرق الفرات، أو الشمال الشرقي من سوريا، إلى مكان لتجاذبات دولية واسعة النطاق، قد تتمدّد، أو تتقلّص وفقاً لتطور الأحداث، أو استناداً إلى تفاهمات منشودة. وإذا كانت جغرافيا المكان تقع بمعظمها تحت نفوذ «قسد»، وبعض المجموعات المسلحة، إلا أن السيطرة السياسية والأمنية تعود لقوى دولية  كبرى متنافسة، لا سيما الأمريكيين والروس. وهذه الخارطة تعطي الأحداث التي تجري أبعاداً دولية، بصرف النظر عن حجم هذه الأحداث على أرض الواقع.

 أكدت مقررات القمة العربية التي انعقدت في جدة في 19 مايو/ أيار الماضي، وحدة الأراضي السورية، ودعت إلى انسحاب كل القوى الأجنبية منها، وطالبت بإجراء المصالحة بين كل مكونات الشعب السوري، وبعودة النازحين إلى ديارهم. 

 ومقررات القمة كانت محل ترحيب من القوى الدولية والإقليمية الكبرى، لأن استقرار سوريا يعتبر عاملاً إيجابياً للمنطقة برمتها، والاضطرابات فيها تُبقي المنطقة في حالة من عدم الاستقرار، وتفتح الباب أمام الاستغلال الأمني، خصوصاً من قبل المجموعات الإرهابية التي عاثت فساداً وإجراماً في هذه البقعة الجغرافية المهمة، على مدى سنوات مضت.

 ما يجري اليوم شرق الفرات من مناكفات سياسية وأمنية، يمكن أن يتمدد إلى كامل شرقي سوريا، ذلك أن التجاذبات بين القوى الكبرى المتواجدة هناك، قد لا تبقى ضمن السياق التقليدي الذي اعتاد عليه اللاعبون الكبار. فبينما تسعى الولايات المتحدة لإعادة إحياء ما تبقى من تحالف دولي وتوفير الدعم لقوات سوريا الديقراطية (قسد) الكردية، وتعزيز قواعدها العسكرية المنتشرة شرق الفرات ،وتقف روسيا حائرة بين حدّين؛ الأول خشيتها من التورّط في صراع لا تريده مع الأمريكيين، والثاني خوفها من خسارة نفوذها الذي صنعته بالقوة منذ عام 2015 في تلك البقعة الاستراتيجية من سوريا.

 الحراك الأخير للقوى المتنافسة يُنذر بتطور الأحداث نحو مسارات ساخنة. فالقواعد الأمريكية تتعرض باستمرار لهجمات بالطائرات المسيّرة، وفي هجومها الأخير سقط 22 جريحاً من هذه القوات في قاعدة العمر قرب آبار النفط، إذ يتم تنظيم مجموعات لإطلاق مقاومة شعبية ضد القوات الأمريكية، تتألف من عناصر محلية من العشائر ومن بلدات عراقية وسورية أخرى، بعدما اتضح أن الولايات المتحدة تعمل على توسيع تواجدها ودعم قواتها، من خلال إنشاء مراكز عسكرية لها تربط بين قاعدة التنف التي تقع على مثلث التقاء الحدود الجنوبية لسوريا مع العراق والأردن، وبين قواعدها شرق الفرات، خصوصاً في منطقة دير الزور والرقة.

 القوات الأمريكية التي تتواجد في المنطقة من ضمن التحالف الدولي ضد الإرهاب الذي أنشئ عام 2017، بدأت تتعاون مع مجموعات محلية في مناطق شرقي سوريا، لا سيما في البلدات القريبة من المعابر الحدودية مع العراق، في محافظة دير الزور وناحية البو كمال، وتمدّ هؤلاء بالمعونة العسكرية والمالية، كما أعادت النظر في تعاونها مع قوات «قسد» الكردية، لناحية زيادة المساعدة لها، بعد جفاء حصل في الفترة الماضية، على خلفية التعاون الذي حصل بين قوات «قسد» والقوات الروسية المتواجدة في الشريط الشمالي لسوريا، خصوصاً في قاعدة القامشلي.

 واللافت أن القوات الأمريكية نصبت صواريخ «هيمارس» المتطورة في قواعدها المنتشرة في المنطقة، كما استقدمت طائرات حربية قادرة على ضرب التحصينات المُقامة على مسافات عميقة تحت الأرض، وهذا الأمر يستهدف بالدرجة الأولى تحصينات القوات التي تعتمد على هذه التقنية العسكرية في التخفي. 

 وتصويت الكونغرس الأمريكي ضد اقتراح قانون يطلب سحب القوات الأمريكية من سوريا؛ يعتبر إشارة واضحة لتوجهات جديدة تهدف لتعزيز دور الولايات المتحدة في مستقبل الصراع في سوريا، والقوات الأمريكية التي تدعي أنها تواجه أعمال التهريب عبر الحدود بين العراق وسوريا في ناحية البو كمال، لا تنفي نيتها توسيع انتشار قواتها مع الموالين لها في المحلة، لكي تدعم وجودها العسكري في إطار الضغط على دمشق ومنع التوصل إلى أية تسوية سياسية.

 سوريا تحتاج إلى المصالحات والاستقرار وإعادة البناء ضمن الحضن العربي، لكن المواقف الأمريكية والغربية تدل على تعارضها مع عودة سوريا إلى الحضن العربي واستئناف العلاقات الدبلوماسية معها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yw8vu9ev

عن الكاتب

دكتوراه في العلوم السياسية والقانون الدولي العام.. أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية.. له 10 مؤلفات وعشرات الأبحاث والمقالات والدراسات في الشؤون الدولية..

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"