الجولة قبل الأخيرة في الحرب الأوكرانية

00:37 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السناوي

طالت الحرب الأوكرانية، استنزفت أطرافها المباشرة وغير المباشرة، وامتدت تأثيراتها الكارثية إلى العالم بأسره، ومع ذلك لا يوجد أفق سياسي لأية تسوية ممكنة.

 وبحسابات السياسة والسلاح يكتسب ما يطلق عليه «الهجوم الأوكراني المضاد» أهميته وخطورته في تقرير مصير الحرب.

 نحن أمام الجولة قبل الأخيرة في الاستنزاف المتبادل تتحدد بعدها الخطوط الرئيسية لأية تسوية محتملة في نهاية المطاف.

 فإذا ما نجحت القوات الأوكرانية في إحداث اختراقات يعتد بها في ميادين القتال، فإن ذلك سوف يكون داعياً لمزيد من التسليح والتدريب، وضخ الأموال الغربية في الشرايين الأوكرانية، على أمل إلحاق هزيمة استراتيجية بموسكو، والحفاظ على مقومات النظام الدولي الحالي، الذي تنفرد بقيادته الولايات المتحدة منذ سقوط جدار برلين، وانهيار الاتحاد السوفييتي السابق مطلع تسعينات القرن الماضي.

 أما إذا أخفق الهجوم المضاد في تحقيق أهدافه المعلنة، أو توقفت اختراقاته عند حدود هامشية، فإن ذلك سوف يكون داعياً لطرح سؤال الجدوى على الاقتصادات الغربية المنهكة، وتبدأ الضغوط المضادة من داخل القارة الأوروبية، والولايات المتحدة نفسها، لإنهاء الحرب، والبحث في وسائل أخرى غير الاستغراق في المستنقع الأوكراني.

 على الجانب الآخر، يبدو أن موسكو تحسبت للهجوم المضاد، وحاولت بقدر ما تستطيع أن تستفيد من أخطائها السابقة بتمتين خطوطها الدفاعية، لكنها تدرك، بصورة أو أخرى، أنه ليس بوسعها المضي بغير سقف زمني في سباق تسليح يستنزف اقتصادها المتعب بأثر العقوبات المفروضة عليه.

   إنه الصراع على مستقبل النفوذ والقوة في عالم يتغير. الحرب غير محتملة، هذا صحيح، لكن التسليم بالهزيمة كارثة استراتيجية كاملة.

 والسيناريو الأرجح أن تمتد الحرب إلى جولة أخيرة بعد انقضاء الجولة الحالية قبل الحديث جدياً في فرص وسيناريوهات التوصل إلى تسوية سياسية، إجبارية في حقيقة الأمر، وفق موازين القوى على الأرض.

  يلفت النظر في هذه الجولة قبل الأخيرة دخول الرئاستين، الأمريكية والروسية، على خط حروب الدعايات. جو بايدن يكاد يزاحم وزير خارجيته، انتوني بلينكن، في التعليق على مجريات الحوادث بالحرب الأوكرانية، وما حولها من صراعات وصدامات سياسية واقتصادية. حسابات الانتخابات الأمريكية المقبلة أمامه ، وشبح دونالد ترامب يطارده.

 وفلاديمير بوتين يكاد يزاحم المتحدثين العسكريين الروس في التعليق على جولة القتال الحالية. ربما أراد أن يقول إن قبضته محكمة على القرارين، العسكري والسياسي، في الكرملين.

  جولة بعد أخرى تؤكد الحقائق نفسها في الحرب الأوكرانية، أنها صدام على المصالح والنفوذ وأحجام القوة في عالم يتغير، وقد كانت أوكرانيا مسرحاً مختاراً لاختبارات القوة، لا جوهر الصراع نفسه.

 بمعنى آخر، يدفع الشعب الأوكراني الثمن فادحاً لحرب نظام دولي استهلك زمنه وقدرته على البقاء.

 ورغم التصعيد حافظ الطرفان الدوليان، بدرجة أو أخرى، على قواعد الاشتباك.. «الناتو»، رغم اندفاعه تسليحاً وتدريباً وتخطيطاً وامداداً استخباراتياً، حرص على نفي انخراطه في الحرب.

  وبمقتضى الأحوال الراهنة تلوّح روسيا بأن سلامة أراضيها خط أحمر. وإذا ما استخدمت ضدها الأسلحة الغربية الحديثة التي بحوزة القوات الأوكرانية، فإنها لن تتورع عن الرد بأسلحتها النووية.

 الورقة النووية حاضرة في المشهد المتأزم ك«عنصر ردع»، يلوّح به من دون استخدامه، لكن قد يفلت الزمام في سيناريو، أو آخر، وقد يكون ذلك من دواعي البحث عن تسوية ما، بعد الجولة المقبلة.

 الهاجس الصيني عنوان رئيسي آخر لمستقبل النظام الدولي، يضاهي ما قد تنتهي إليه الحرب الأوكرانية من تغيرات جوهرية في حسابات القوة والنفوذ.

  كانت زيارة وزير الخارجية الأمريكي بلينكن للعاصمة الصينية بكين، بمقدماتها وتوقيتها وأجوائها ورسائلها، كاشفة لما قد يحدث غداً.

 أرادت واشنطن بهذه الزيارة الدراماتيكية،  أمرين رئيسيين.

 أولهما، أن تظل هناك قنوات اتصال بين واشنطن وبكين خشية أية تصرفات مفاجئة. وثانيهما، ضمان ألا تتدخل الصين في الحرب الأوكرانية.

 العنوان الرئيسي لزيارة «بلينكن»: التنافس لا الصدام. موضوعياً: هذا ما تطلبه الصين بالضبط.

  وفي ترجمة سياسية أخرى: هذه إشارة جديدة إلى نظام دولي يكاد يولد. روسيا القلقة على تحالفاتها من تحولات المصالح أكدت على لسان بوتين ثقتها بالموقف الصيني لكن دواعي القلق تظل ماثلة.

وأمريكا القلقة على مكانتها رحبت ب«نجاح زيارة بلينكن»، لكنها وصفت الرئيس الصيني على لسان بايدن ب«الدكتاتور».

  باليقين، النظام الدولي القديم تهالك تماماً، وسقوطه مسألة وقت، بغضّ النظر عن الطريقة التي سوف تنتهي بها الحرب الأوكرانية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2jf9sv3n

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"