عادي
الحرب الروسية الأوكرانية زادت الطلب على الملاجئ

البيوت النووية.. استثمار الرعب من الموت

23:43 مساء
قراءة 6 دقائق
1
قنبلة نووية تكتيكية صغيرة
نموذج من الداخل للبيوت النووية

د. أيمن سمير

لا يخلو يوم من الحديث عن الأسلحة النووية أو ما يسمى «المثلث النووي»، وهو الذي يتكون من الطائرات والصواريخ والسفن القادرة على توصيل القنابل النووية إلى أهدافها، فنائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي ديمتري ميدفيديف تحدث أكثر من 50 مرة عن استعدادات بلاده «النووية» ضد الغرب، وعندما سئل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن خطورة استخدام الأسلحة على العالم رد قائلاً: «وما فائدة العالم بدون روسيا».

على الجانب الآخر تجري القوات المسلحة الأمريكية بشكل دوري في «قاعدة القيادة الاستراتيجية» في ولاية نبراسكا، تدريبات بالأسلحة النووية استعداداً لهجوم على الأراضي الروسية، كما أن القاذفات الاستراتيجية الأمريكية من طراز «بي 52» تقوم بشكل متزامن بطلعات قرب الأراضي الروسية من الغرب ناحية بحر الشمال وبحر برنتس والبحر الأسود، وأيضاً في أقصى الشرق قرب كامتشكا وجزر الكوريل في المحيط الهادئ.

الشهر الجاري شهد أكبر تطور على الأرض، عندما أرسلت روسيا «الأسلحة النووية» إلى حليفتها بيلاروسيا التي كانت دولة نووية مع أوكرانيا وكازاحستان حتى عام 1994، عندما وقّعت الدول الثلاث على «اتفاقية بودابيست» التي نزعت السلاح النووي من بيلاروسيا وكازاخستان وأوكرانيا، ورداً على الخطوة البيلاروسية الروسية، أعلنت بولندا التي تشترك في حدود مباشرة مع أوكرانيا وبيلاروسيا، أنها تفكر في نشر أسلحة نووية أمريكية على أراضيها،

وبعيداً عن أوربا، كان تطوير الصين لأسلحة نووية جديدة ونشرها في أقصى شمال غرب الصين في إقليم شينجيانغ، حديث الصحافة الغربية على مدار الأعوام الثلاثة الأخيرة، وتعتقد الولايات المتحدة أن لدى الصين نحو 3500 رأس نووي، بينما تصر الصين على أن ما لديها لا يتجاوز 300 رأس نووي فقط.

بداية رحلة الخوف

هذا «الحديث النووي» أصاب البشرية بالهلع والخوف من اندلاع هذه الحرب في أي وقت، ولهذا بدأت الصين بتشييد وبناء «البيوت النووية» أو «الملاجئ النووية»، خوفاً من تكرار السيناريو الأمريكي مع اليابان عندما قصفت واشنطن ناغازاكي في 6 أغسطس وهيروشيما في 9 أغسطس من عام 1945، كما أن سكان الساحل الغربي الأمريكي، خاصة ولايتي كاليفورنيا وواشنطن، يجريان تدريبات على الاحتماء من القنابل النووية والغبار النووي، وبات الاستثمار في بناء «البيوت النووية» من أكثر مجالات الاستثمار، نظراً للإقبال الكبير والخوف الشديد من وقوع هجوم نووي صيني على الساحل الغربي الأمريكي، كما أن ما يجري بالقرب من محطة زاباروجيا في أوكرانيا خير دليل على المخاطر النووية، حيث تتبادل روسيا وأوكرانيا يومياً الاتهامات بقصف أكبر محطة نووية في أوربا وهي محطة «زاباروجيا»، ولو حدث أي انفجار في محطة زاباروجيا، فسيصيب نصف الأوربيين بالإشعاع النووي، ولهذا يشتري سكان المناطق القريبة من أوكرانيا، مثل بلغاريا ورومانيا والتشيك وسلوفاكيا وبولندا ودول بحر البلطيق الثلاث، «مادة اليود»، ويقومون بتخزينها في «الملاجئ النووية» للتخفيف من أي آثار نووية حال تدمير محطة زاباروجيا.. فما هي البيوت أو الملاجئ النووية؟ وما هي قدرتها على حماية الإنسان من القنابل النووية؟ وهل تلعب الكلفات الباهظة دوراً كبيراً في بناء أو شراء تلك البيوت النووية؟

البيوت النووية

رغم أن الحرب العالمية الأولى لم تشهد أي استخدام للقنابل أو الأسلحة غير التقليدية، فإن ضراوة هذه الحرب والقصف الشديد الذي تعرضت له المدن، دفع المواطنين خاصة في أوربا إلى بناء «بيوت وملاجئ محصنة»، وأحياناً تحت سطح الأرض حتى لا تطولها القذائف أو الصواريخ، وكثيراً ما كانت تلك «البيوت الحصينة» في أجزاء أسفل حدائق المنازل.

لكن التطور الأكبر جاء بعد قصف سلاح الجو الألماني للمدن البريطانية التي ظلّت محصنة لقرون طويلة، وهو ما جعل الإنجليز يفكرون في بناء بيوت شديدة التحصين ضد الضربات الجوية الألمانية، وعندما قصفت الولايات المتحدة ناغازاكي وهيروشيما بالقنبلة الذرية تغيّر مفهوم الملاجئ والبيوت المحصنة، من البيوت المحصنة ضد الأسلحة التقليدية إلى «الملاجئ النووية» بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. ومنذ نهاية عام 1945، كان بناء «الملاجئ النووية الخاصة» شرطاً من شروط البناء في البلاد القريبة من الحدود الروسية، مثل فنلندا والسويد، حيث تعد فنلندا أكثر دول العالم التي لديها ملاجئ نووية تستوعب ملايين السكان، بينما في الدول الأوربية الأخرى، يسود نمط «الملاجئ النووية الخاصة» الذي تقوم به شركات القطاع الخاص، بناءً على طلب من المواطنين.

الحرب الروسية الأوكرانية

انتعش سوق بناء «البيوت النووية» مع سيطرة روسيا على شبة جزيرة القرم عام 2014، لكن الطفرة الأكبر في بناء «بيوت الأمان النووي»، جاءت مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية لأكثر من 500 يوم، وتجهيز الولايات المتحدة لنحو 460 قنبلة نووية «كقنابل تكتيكية»، جرى بالفعل تركيبها في طائرات وصواريخ وسفن دول حلف شمال الأطلسي «الناتو»، وهو ما يعني الاستعداد العملي لحرب نووية حقيقية.

لأن تحويل القنابل النووية الكبيرة والقديمة، مثل تلك التي استخدمت في ناغازاكي وهيروشيما، إلى قنابل نووية حديثة «تكتيكية»، يقود مباشرة إلى تحويل «الأسلحة النووية» من مجرد «سلاح ردع وتخويف» إلى «سلاح عملياتي»، يمكن استخدامه في ساحة المعركة مثل البندقية والصاروخ والطائرة، فإجمالي الأسلحة النووية التقليدية الأمريكية التي تم تحويلها إلى رؤوس نووية «تكتيكية» يصل إلى نحو 1600 سلاح نووي، بعد خطة التحديث التي وضعها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والتي رصد لها نحو 100 مليار دولار سنوياً في ميزانية الدفاع الأمريكية. على الجانب الآخر، تؤكد الأرقام التي نشرتها مؤسسة الأمان النووي أن لدى روسيا نحو 1900 سلاح نووي «تكتيكي» جرى نشر جزء منها بالقرب من ساحة المعركة في أوكرانيا.

ويزيد من إحساس المواطنين ب«الهلع النووي» والسعي لشراء «بيوت نووية» ضد الضربات النووية، أن هناك دولاً غير نووية ولها صراعات إقليمية، صارت جزءاً من «معادلات أمنية نووية»، منها على سبيل المثال ما تم مع كوريا الجنوبية، فلأول مرة في التاريخ تجري الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية «مناورات نووية» مشتركة موجهة ضد كوريا الشمالية والصين، كما أن اليابان وهي صاحبة «اللاءات النووية الثلاث»: لا لتصنيع، ولا لنشر، ولا لاستخدام الأسلحة النووية، جرى نقاش علني أكثر من مرة في وسائل الإعلام عنوانه: لماذا لا توافق اليابان على نشر الرؤوس النووية الأمريكية على أرضيها على غرار ألمانيا؟

كل هذه الأسباب دفعت ليس فقط إلى زيادة الإقبال على بناء وشراء «البيوت النووية»، بل إلى ارتفاع أسعارها بشكل غير مسبوق، خاصة أن هذه الملاجئ تحتاج إلى أنواع خاصة من الحديد والعوازل، كما أنها تحتاج إلى تجهيزات مثل البطاريات طويلة الأمد، حتى يستطيع من خلالها الشخص أو الأسرة، البقاء لفترة طويلة لحين ضياع آثار الغبار أو الإشعاع النووي، ناهيك عن أن هذه الملاجئ تكون على أعماق بعيدة جداً تحت سطح الأرض لا تقل عن 20 متراً، كما أن مساحة العازل الخرساني لا يقل عن مترين، في حالات التنبؤ بوقوع انفجار نووي قريب من هذا المكان أو ذاك، بينما لا يُشترط أن تكون «البيوت النووية» على أعماق بعيدة من الأرض، إذا كان الهدف مجرد الحماية من الإشعاع النووي، وفق عدد من الدراسات التي جرت على زبائن وعملاء للبيوت النووية في إسبانيا وهولندا وبلجيكا والنرويج وألمانيا.

كلفات باهظة

وليس كل مواطن أمريكي أو صيني أو أوروبي قادراً على الشراء أو التعاقد على بناء «بيت نووي»، لأنه منذ نشوب الحرب الروسية الأوكرانية، ومع كل تصريح عن استخدام الأسلحة النووية يرتفع سعر «الملاجئ النووية»، كما أن لكل بيت نووي سعراً يختلف عن البيت الآخر حتى لدى الشركة الواحدة، لأن الكلفة تعتمد على عدد من العناصر، ومنها المواصفات الفنية التي يريدها صاحب البيت النووي، ومن بينها مدى العمق تحت سطح الأرض، ومساحة الملجأ النووي، والتجهيزات التي سوف تلحق بالبيت النووي، ووفق بيانات شركة «أندر جروند بيلدنج»، فإن الأسعار كانت تبدأ من 30 ألف يورو داخل الاتحاد الأوربي في عام 2021، لكن مع بداية الحرب الروسية الأوكرانية، ارتفعت الأسعار إلى مستويات قياسية، فعلى سبيل المثال، إذا كانت عائلة أو مجموعة أصدقاء عددهم 25 شخصاً، فسوف يحتاجون إلى دفع 750 ألف يورو، بينما كلفة تأسيس «ملجأ نووي» يستوعب 50 شخصاً، هي نحو 980 ألف يورو، وهذه المباني لا يمكن الحياة فيها أكثر من أسبوعين، حيث تحتاج إلى تجديد المأكل والمشرب، وبحسب عدد كبير من الشركات والخبراء في هذا المجال، فإن مدة الخطر النووي تكون في الأيام الأربعة الأولى، وبعدها تبدأ درجة خطورة الانبعاثات النووية في الانحسار، ولهذا تتفق غالبية الشركات على أن أسبوعين هي الفترة الكافية جداً للنجاة من موت محقق عند الانفجارات النووية.

استوديوهات نووية

ونظراً لارتفاع الطلب على «الملاجئ النووية» وارتفاع أسعارها، في الوقت نفسه قامت بعض الشركات في دول الاتحاد الأوربي بتقديم عروض خاصة أقل سعراً لجذب مزيد من العملاء والزبائن الذين لا يستطيعون دفع 500 ألف أو 600 ألف يورو، من خلال تقديم «استوديوهات نووية» بمساحات صغيرة وكلفة أقل، حيث يصل سعر «البيت النووي» مساحة 8 أمتار نحو 150 ألف يورو، بينما سعر «الاستوديو النووي» مساحة 20 متراً ب250 ألف يورو.

المؤكد أن أفضل وسيلة للخلاص من كل هذا الهلع، إدراك البشرية أن مصيرها واحد، وضروة وقف الحرب الروسية الأوكرانية في أسرع وقت، والعودة مرة أخرى إلى الاتفاقيات التي تقيد استخدام السلاح النووي مثل اتفاقية «ستارت 3»، و«أي إن إف» التي انسحبت منها كل من روسيا والولايات المتحدة منذ أغسطس عام 2019.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2s362dmn

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"