عادي
قراءات

14 تعريفاً للكتاب الكلاسيكي

23:30 مساء
قراءة 3 دقائق

القاهرة: «الخليج»

في رسالة وجهها إيتالو كالفينو إلى أحد أصدقائه بتاريخ 27 سبتمبر 1961، كتب ما يلي: «لجمع مقالاتك المتفرقة هنا وهناك، يتوجّب عليك الانتظار إلى أن تبلغ من العمر عتياً أو جمعها بعد مماتك». ورغم ذلك بدأ كالفينو بجمع مقالاته مع مطلع عام 1980، ليُصدر كتابه «صخرة في الأعلى»، ثم كتاباً نشره عام 1984 بعنوان «مجموعة رمل».

يضم كتاب «لماذا نقرأ الأدب الكلاسيكي؟» (ترجمته إلى العربية دلال نصرالله)، معظم مقالات كالفينو عن كتّابه وشعرائه وعلمائه الكلاسيكيين المفضلين، الذي أثروا في حياته على فترات مختلفة منها، وما يتعلق بأدباء القرن العشرين.

ويسعى كالفينو لتعريف الكتب الكلاسيكية قائلاً: «الكتب الكلاسيكية هي التي يشير إليها أغلب الناس بعبارة «أنا أعيد قراءة» وليس «أنا أقرأ»، يفترض حدوث هذا مع واسعي الاطلاع على الأقل، وهذا ينطبق على فئة الشباب الذين يتواصلون لأول مرة مع العالم، والكلاسيكيات جزء لا يتجزأ من هذا العالم، ومهما تنوعت قراءات المرء، سيظل هناك عدد هائل من أمهات الكتب التي لم يقرأها».

ويرى كالفينو أن قراءة كتاب عظيم للمرة الأولى في مرحلة النضج، تبعث في النفس متعة استثنائية تختلف عن متعة قراءته في عمر الشباب، فالشباب يعتبرون تجربة القراءة شبيهة بتجاربهم الأخرى، نكهتها وأهميتها محدودتان، بينما ينزع المرء في سنوات نضجه إلى تقدير التفاصيل، ومستويات التأويل أكثر بكثير.

قد لا تعود قراءات مرحلة الشباب بالنفع المرجو منها على صاحبها، لما جُبل عليه من سرعة الضجر، وكثرة السهو، وانعدام خبرته في التعامل معها، لكنها قد تكون تأسيسية من ناحية منح تجارب الشباب المستقبلية شكلاً، عبر توفيرها لنماذج المقارنة ومصطلحاتها ومراتب التصنيف. إن جميع عناصر قراءات شبابك ستترسخ فيك، سواء تذكرت الشيء اليسير منها أم نسيتها تماماً، وإعادة قراءة تلك الكتب في مرحلة النضج تعني أن العناصر المكوّنة لها ستصبح جزءاً من كينونتك، حتى لو نسيت مصدرها. إنها ترغمنا على نسيانها في الظاهر، وتزرع بذورها في باطننا.

ضمن خلاصات كالفينو أن الكتاب الكلاسيكي هو الذي تكتشف جديداً فيه، كلما أعدت قراءته، الكتاب الكلاسيكي هو ذاك الذي إذا قرأته للمرة الأولى ينتابك شعور بأنك قد قرأته من قبل، وهو كتاب لا ينضب محتواه، الكتب الكلاسيكية هي تلك الكتب التي نلاحظ فيها تأثرها بكتب سبقتها، ونلمس تأثيرها في ثقافة أو مجموعة ثقافات من ناحية أخرى.

وينطبق هذا على كل من الكلاسيكيات القديمة والحديثة، فإذا قرأت الأوديسة لهوميروس، لن تنسى غاية جميع مغامرات يوليسيس على مر القرون، ويتساءل كالفينو عما إذا كان النص يحمل هذه التأويلات فعلاً. وإذا قرأت كتاباً من تأليف كافكا، كما يقول كالفينو، «أجدني بين الرافض والمؤيد لاشتقاق (نعت كافكوي) الذي نسمعه كثيراً في استخدامات تجانب الصواب، أحياناً». أما إذا قرأت «آباء وبنون» لتورغنيف أو «الشياطين» لدستويفسكي، فتفكر في كيفية تناسخ هذه الشخصيات، وصولاً إلى الزمن الحالي.

وينبغي أن يباغت العمل الكلاسيكي تصوراتنا المسبقة عنه، ولهذا السبب يقول كالفينو: «أنصح بقراءة النصوص الأصلية مباشرة، أي تجنب قراءة التحليلات النقدية، كما ينبغي على المدارس والجامعات تعليم الطلاب أن الكتاب الذي يناقش كتباً أخرى لن يقول أكثر مما قاله الكتاب الأصلي».

ويقدم كالفينو نحو 14 تعريفاً للكتاب الكلاسيكي منها: «الكتب الكلاسيكية هي التي نعتقد أننا أحطنا بمضمونها مما قيل لنا عنها، لكننا نكتشف أنها أكثر أصالة وابتكاراً، وتنافي توقعاتنا بعد قراءتها، وأنها تُنعت بالكلاسيكية، لأنها تشبه الطلاسم الأثرية، فكتبك الكلاسيكية تهمك، وتعينك على تعريف ذاتك، على ضوء تآلفك واختلافك عنها، كتابك الكلاسيكي يتصدر بقية الكلاسيكيات، لكنك لن تدرك مكانته بمعزل عن قراءة الكلاسيكيات الأخرى».

الكتب الكلاسيكية هي التي تحوّل متاعب الحاضر إلى خلفية صوتية، ولا يمكن الاستفادة من تلك الكتب دون تلك الخلفية، والكتب الكلاسيكية هي التي تستمر في عملها كموسيقى في ذهنك، مهما اشتدت نوازل الدهر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2u4xzp5f

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"