أدب السفر.. ثقافة الصيف

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

نحن الآن في ذروة الصيف. «موسم الهجرة» إلى الشمال، ولكن ليس على طريقة الطيب صالح، بل هي عادة السفر إلى أوروبا أو إلى بلدان أخرى من العالم لها ميزة صيفية ليست موجودة لدينا، وهي إذاً ثقافة السفر أو ثقافة الصيف في مكان آخر.

لا أتحدث هنا عن الذهاب إلى مصايف العالم، بل الإياب من تلك الأماكن التي حملنا منها الهدايا والتذكارات والصور، وربما ولدت هناك بعض الصداقات، غير أن أجمل ما يمكن أن يعود به المرء إلى بلاده هي الكتب والمذكرات أو اليوميات، وهذه تكتمل جمالياً وثقافياً بكاميرا صغيرة كانت قد خزنت لك مئات صور الوجوه والبيوت والشجر والحجر.

عمّ تتحدث؟؟ لعلك تتحدث عن أدب الأسفار أو أدب الرحلات بعد العودة من مواسم جهات الأرض، وهو أيضاً أدب المشاهدات والانطباعات والقصص التي تفاجئك أو تلك التي كانت بانتظارك..

تسافر مثلاً إلى بلد لا تعرف عنه شيئاً من جغرافيته أو تاريخه أو آدابه وفنونه، ولكنك تعود مشبعاً بثقافة خصبة لمكان قد يكون نائياً ومنسياً في إفريقيا أو آسيا أو دول الكاريبي أو عند قطبيّ الكاريبي، وإذْ بك ممتلئ كلياً بفيض الجغرافيا والتاريخ والناس، وقد تحوّلت للتوّ إلى كاتب بالفطرة.

أردت القول من كل هذه المقدّمات البطيئة الإيقاع أن في داخل كل إنسان ثمة قدرة فطرية على الكتابة، وفي داخل الإنسان فطرة أيضاً في السرد والوصف والحكي، تحديداً، حين يرى المكان للمرة الأولى بتلك العين البكرية المستقلّة حين تتجاوز ماضيها البصري، إن جازت العبارة، وتعمل كل رؤيتها الجمالية في هذا المكان الذي تراه للمرة الأولى.

من هذه النقطة البصرية البكرية تأتي الكتابة الجديدة عن الأمكنة التي يزورها السائح أو المسافر أو المصطاف للمرة الأولى، وحتى بعض الأماكن لا نحيط بجماليتها وروحها وإيقاعها المكاني والنفسي من المرة الأولى، فتدعونا لزيارتها مرة ثانية بإشارات ضمنية تتخلّق تلقائيا بين الانسان والمكان.

في الصيف يسافر الآلاف وربما الملايين إلى بلدان وشعوب وثقافات في الشمال، والجنوب، والشرق، والغرب.. إنه نوع من سفر الغريب الذي يبحث عن ذاته في ذوات الآخرين وفي مكانهم الذي هو حضارة وثقافة وتاريخ. هنا تشتغل البصيرة كما يشتغل البصر. يبدأ المسافر بالتقاط كل شيء وجذبه إلى داخله الثقافي، فيتحوّل إلى كاتب يوميات، أو انطباعات.

هذه الحصيلة الكتابية بعد الرحلة هي ثقافة وتأمل ومعرفة.. تتحوّل مع الأيام والتكرار والتجربة إلى أدب رفيع هو جزء من تاريخك الشخصي وجوهرك الثقافي، فاكتب، ولا تفرّط في هذا التاريخ، وهذا الجوهر..

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4mbfnud6

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"