استثمار مستهدف للغاية

22:48 مساء
قراءة 4 دقائق

ميلتون إزراتي *

ينظر كثيرون إلى الأمر التنفيذي الذي أصدره بايدن بحظر الاستثمارات الأمريكية التي تخص جوانب معينة من التكنولوجيا فائقة الحساسية في الصين، على أنه قرار طال انتظاره. وبالفعل، أشار البيت الأبيض إلى أن إعداد القرار ومشاركة تبعاته مع الحكومة وداخل القطاع استغرق أكثر من عام. وهنا لابد من الإشارة إلى أن تقييد الاستثمار ذاك يتوازى مع أمر تنفيذي آخر صدر العام الماضي بوقف الصادرات الأمريكية لأنواع معينة من التكنولوجيا إلى الصين.

فإذا كانت الإجراءات الأمريكية الجديدة فعالة حقاً، فمن المؤكد أنها ستبطئ وتيرة التقدم التكنولوجي للصين، لكنها بلا شك لن توقفه، وستحفز رداً انتقامياً من بكين.

وتشير المعلومات المتوفرة حتى الآن إلى أن الأمر التنفيذي، المتوقع سريانه العام المقبل، سيحظر الاستثمارات في الشركات الصينية العاملة في مجال الحوسبة الكمومية، والإلكترونيات الدقيقة، وأجهزة الاستشعار والشبكات، بالإضافة إلى أشباه الموصلات المتقدمة، والذكاء الاصطناعي. والهدف الرئيسي هو الحد من دعم التحديث العسكري الصيني وحماية الأمن القومي الأمريكي.

وسيتم تطبيق الحظر فقط على الاستثمارات الجديدة، وليس الصفقات الحالية، وسيفرض على المستثمرين الخارجيين تقديم إخطار إلى وزارة الخزانة في حالة الاستثمار في قطاعات تكنولوجية أخرى. ويستهدف الأمر أيضاً شركات الأسهم الخاصة الأمريكية، ورأس المال المغامر، والمشاريع المشتركة في الصين. أما أولئك الذين يخالفون التعليمات فسيواجهون غرامات، وسيُجبرون على التخلي عن حصتهم في الأنشطة المحظورة.

ومع هذا، من غير المرجح أن ترد الصين على الضربة الأمريكية. ويرجع ذلك إلى أن بكين محدودة في قدرتها ورغبتها في الرد، كما يقول محللون. فالشركات التكنولوجيا الأمريكية لا تعتمد على الاستثمارات الصينية مثل اعتماد نظيراتها الصينية على رأس المال الأمريكي. كما أن البلاد تكافح أيضاً مع تدهور ظروف الاقتصاد الكلي وتراجع ثقة المستثمرين مؤخراً، مما يجعلها أقل ميلاً لتصعيد المواجهة الاقتصادية مع واشنطن التي بذلت قُصارى جهدها للتأكيد على أن القيود ستكون مركزة على مجموعات فرعية ضيقة.

وفي زيارتها للصين الشهر الماضي، وصفت وزيرة الخزانة جانيت يلين الأمر المعلق آنذاك بأنه «مستهدف للغاية». ولكن كما هو الحال دائماً مع مثل هذه الأشياء، ستؤثر المحظورات على الأعمال والاستثمارات أكثر مما قد توحي به البنود الصارمة للأمر. وهو ما تدركه الشركات جيداً خاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا الأمن القومي. ونتيجة لذلك، سوف يبتعد المستثمرون عن أي نشاط يقترب حتى من القائمة المحظورة. وأحدث دليل على هذا، هو كيف قسّمت شركة رأس المال المغامر الأمريكية «سيكويا كابيتال» بالفعل أعمالها في الصين.

في غضون ذلك، شهدت صناعة التكنولوجيا الصينية، التي كانت ذات يوم نقطة جذب لرأس المال الاستثماري الأمريكي، انخفاضاً حاداً في تلك الاستثمارات وسط التوتر الجيوسياسي المتزايد. وانخفض الاستثمار الأمريكي المباشر في الصين العام الماضي إلى أدنى مستوى له في 20 عاماً، عند 8.2 مليار دولار. كما انخفضت معه استثمارات رأس المال الاستثماري إلى أدنى مستوى لها في 10 سنوات، عند 1.3 مليار دولار فقط. ومن المؤكد أن المستثمرين الأمريكيين يعيدون النظر في الصين لعدد من الأسباب التي لا علاقة لها بأمر البيت الأبيض التنفيذي الجديد. مع ذلك، فإن هذا الإجراء الرئاسي، إلى جانب المخاوف من التفسير الموسع من قبل واشنطن، لن يؤدي إلا إلى تعزيز تلك الأسباب وتسريع الهروب من الصين.

على المقلب الآخر، سوف يكون حظر الاستثمار قاسياً على بكين، التي تعتمد إلى حد كبير على المعرفة التقنية التي توفرها تدفقات الاستثمار الأجنبي. وسيكون الضرر أسوأ بكثير إذا أذعن حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا واليابان وكوريا الجنوبية لضغوط واشنطن وفرضوا حظراً مماثلاً. وقد أظهرت اليابان وألمانيا بالفعل علامات على فرض قيود شبيهة لإبطاء استحواذ الصين على التقنيات الفائقة. وقد عبّرت الصين عن قلقها البالغ بشأن الأمر، وقالت إنها تحتفظ لنفسها بالحق في اتخاذ ما تراه من إجراءات. وقالت وزارة التجارة الصينية في بيان، إن الأمر يؤثر على التشغيل وعمليات صنع القرار في الشركات، ويقوض النظام الاقتصادي والتجاري الدولي.

وقالت الوزارة أيضاً، إنها تأمل في أن تحترم الولايات المتحدة قوانين اقتصاد السوق ومبدأ المنافسة العادلة، والامتناع عن «إعاقة التبادل والتعاون الاقتصادي والتجاري العالمي بشكل مصطنع، أو وضع عقبات أمام تعافي الاقتصاد العالمي». لكن المسؤولين الأمريكيين أصرّوا على أن الحظر كان يهدف إلى معالجة مخاطر الأمن القومي «الأكثر حدة» وليس الفصل بين اقتصادات البلدين شديدة الترابط.

وعلى الرغم من الخطاب الحالي، يعتقد محللون ورجال أعمال أن إجراءات الاستثمار الخارجي ليست كافية لتغيير حسابات التفاضل والتكامل في علاقة ثنائية متوترة يحاول كلا الجانبين تحسينها. فالصين على دراية تامة ومنذ فترة طويلة بأن مثل هذه الإجراءات قادمة لا محالة، لكن البعض يرى أن القواعد الجديدة أقل صرامة وأكثر استهدافاً مما كان يخشى الكثير، على الأقل في شكلها الحالي.

* محرر مساهم في مجلة «ذا ناشونال إنترست»، وكبير الاقتصاديين في شركة «فيستد» الأمريكية للاتصالات.* (ذا إيبوك تايمز)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2nxfkbcn

عن الكاتب

محرر مساهم في مجلة «ذا ناشونال إنترست»، وكبير الاقتصاديين في شركة «فيستد» الأمريكية للاتصالات. (ذا إيبوك تايمز)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"