الاضطرابات والتحولات

حزب المحافظين بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي
23:03 مساء
ترجمة وعرض:
نضال إبراهيم
قراءة 7 دقائق
1
1
1

عن المؤلف

الصورة
1
تيم بيل
تيم بيل أستاذ العلوم السياسية في جامعة كوين ماري بلندن في المملكة المتحدة، وحاصل على العديد من الجوائز. له عدد من المؤلفات

 منذ التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عام 2016، تحولت قدرة حزب المحافظين على التكيف إلى مزيج من الشعبوية اليمينية المتطرفة وأصولية السوق، ما أثار تساؤلات حول تأثيره في الديمقراطية. يتتبع كتاب «الاضطرابات والتحولات» رحلة المحافظين خلال العقد الماضي، والتحولات التي طرأت عليه.

يشرح المؤلف الديناميكيات المعقدة داخل حزب بقي منقسماً في أعقاب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ويعاين كيف يسعى الحزب إلى الاستفادة من آثار استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لتحقيق مكاسب سياسية. من خلال تتبع دقيق لتطور القيادة، وأولويات السياسة عبر السنوات الأخيرة، يقدم هذا العمل نظرة معمقة على المرحلة التاريخية المضطربة التي اجتاحت حزب المحافظين، ويتضمن تحليلاً يجسّد جوهر حقبة مملوءة بالتحديات للحزب.

 يشتمل الكتاب على رؤية واسعة للحزب، تشمل عناصر مثل العلاقة التكافلية بين بعض وسائل الإعلام والحزب، والتجمعات الحزبية الناشئة التي تحاول تكرار تأثير مجموعة الأبحاث الأوروبية، ودور عضوية الحزب، باعتباره مجموعة انتخابية حاسمة. يبني المؤلف رؤيته على مجموعة من المصادر، ويمزج بين المعلومات النوعية والكمية، والأكاديمية وغير الأكاديمية، والعامة والخاصة، لتقديم وصف شامل لتطور حزب المحافظين خلال العقد الماضي.

 الموضوع الرئيسي للكتاب هو جهود حزب المحافظين لصياغة تفسيرات لسياسة (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي) التي عارضها في البداية العديد من أعضائه. كان الحزب يهدف إلى استخدام خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بشكل استراتيجي، لتحقيق النجاح الانتخابي، وهو ما يؤدي في الأغلب إلى أوجه قصور في الحكم. 

 يسلط الكتاب الضوء على الكيفية التي أسقط بها النواب المحافظون تفسيراتهم على التصويت لمصلحة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ووضعوا أنفسهم كأبطال ضد النخب والمؤسسات. ومع ذلك، فإن هذه الجهود كانت في كثير من الأحيان بمنزلة كلمات خطابية، واستعراض سياسي، وليس تغييرات جوهرية في السياسات.

 اضطرابات سياسية بعد الاستفتاء

 في غضون ست سنوات مضطربة منذ الاستفتاء على الخروج، شهدت بريطانيا صعود خمسة رؤساء وزراء. وقد دفع هذا الباب الدوار من الاضطراب، البعض إلى تشبيه المشهد السياسي البريطاني ب«إضفاء الطابع الإيطالي» على السياسة. والأمر الأكثر إثارة للدهشة هو حقيقة؛ مفادها أن حزب المحافظين بدأ هذه الحقبة من الفوضى شبه المستمرة، وهو الكيان الذي كان يصور نفسه في السابق باعتباره معقلاً للواقعية البراغماتية، القادر على تقديم حكم مستقر، ويتمتع بالسمعة الطيبة والكفاءة.

 لقد أحدثت مغامرة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي جروحاً عميقة لدى البريطانيين، ويتعمق تيم بيل، المؤرخ السياسي المتميز في التأثير في حزب المحافظين في هذا الأمر. فهو يرى أن الخروج من الاتحاد الأوروبي، أعاد تشكيل حزب المحافظين من حزب يمين الوسط إلى اندماج لا يمكن التنبؤ به بين الشعبويين اليمينيين المتطرفين، والمفرطين في الليبرالية، وأنصار أصولية السوق. وبعد أن كان حزب المحافظين ذات يوم يدعم المؤسسات ويحتفي بها، فقد اتخذ الآن – كما يوحي اسمه – مظهر الكيان المناهض للمؤسسة، أو على الأقل شكلياً. وهذا يتطلب الجرأة، نظراً لبقائه في السلطة لمدة 13 عاماً تقريباً، ويعبّر عن استيائه الشديد ليس فقط تجاه الثقافة «المستيقظة» و«المحامين اليساريين» ولكن أيضاً يوجه غضبه نحو القضاء والخدمة المدنية والرقابة البرلمانية والجامعات وهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) وبنك إنجلترا والبنك المركزي البريطاني وأي عقبات أخرى تعترض طريقه لتنفيذ سياساته التي يفترض أنها منطقية. فالحزب الذي نأى تاريخياً عن التطرف الأيديولوجي، يجد نفسه الآن غارقاً في حماسة شبابية وحزبية مفرطة.

 يركز المؤلف على التأثير الإعلامي اليميني الضخم؛ إذ يجد أن هذا الفصيل لعب دوراً مهماً في التأثير في أعضاء حزب المحافظين، والنواب، والخطاب الوطني. فمن دون دعمهم الصاخب وسنوات من تغذية المشاعر المناهضة للاتحاد الأوروبي، يمكن للمرء أن يجادل بأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ربما لم يكن ليتحقق. لعبت وسائل الإعلام اليمينية أيضاً دوراً محورياً في دفع المملكة المتحدة نحو نسخة أكثر صرامة من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بشكل يتجاوز ما يمكن تبريره عقلانياً، نظراً لهامش الاستفتاء الضئيل (52-48) والمخاطر الاقتصادية المرتبطة بقطع العلاقات مع الشركاء التجاريين المهمين.

 يكشف بيل عن تناقض بين قادة مثل تيريزا ماي التي كافحت للتغلب على تعقيدات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بما يتجاوز آثاره السطحية، ومجموعة الأبحاث الأوروبية، التي حافظت على موقف واضح بشأن مغادرة الاتحاد الأوروبي. ويصور الكتاب استراتيجية الاتحاد الأوروبي؛ المتمثلة في السماح لحزب المحافظين بمعالجة الانقسامات الداخلية في وقت كانت تدق فيه الساعة بشأن مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

 النفاق السياسي

 يؤكد المؤلف طيلة الكتاب على النفاق في السياسة، والتي تظهر بشكل بارز في قيادة بوريس جونسون الذي حشد ببراعة الفصائل المختلفة داخل حزب المحافظين، لتحقيق أهدافه. ويصور الكتاب بطريقة فكاهية لحظات خيبة الأمل لأعضاء البرلمان في صنع السياسات، خاصة خلال فترة ولاية جونسون. يقول المؤلف في البداية: «هذا كتاب، بالطبع، عما حدث وما يحدث. ومع ذلك، ومهما كنا نرغب في تأكيد الهياكل والمؤسسات الأساسية، فإننا نحتاج مع ذلك إلى الاعتراف بالدور الذي تلعبه الصدفة، والفاعلية البشرية. يعد استفتاء الاتحاد الأوروبي أيضاً بمنزلة تذكير بحقيقة أن الانقسامات الكبيرة حقاً في تاريخ حزب المحافظين الطويل (وقبل أن يبدأ خبراء السياسة في الحديث عن «الشخصنة» و«الرئاسة» في الديمقراطيات البرلمانية) كانت تشهد دائماً صراعات حول قضية ما».

 ويضيف: «في حين أنه من الممكن تماماً، وفي الأغلب يكون من المفيد جداً، تفكيك السياسة المعاصرة موضوعياً وهيكلياً، وهو ما قمت به بنفسي في كتب أخرى؛ لقد اخترت هنا عمداً أن أتبع (وأحياناً فقط أقاطع) التدفق، لتقديم سرد تحليلي يجسّد:الارتباك المزدهر والمثير: للحياة السياسية كما يعيشها حقيقة السياسيون والأحزاب، وكذلك الإعلاميون. كما حاولت جاهداً أن أعكس حقيقة مفادها أن الحياة السياسية قد تسارعت في السنوات الأخيرة، بسبب ظهور وسائل الإعلام الاجتماعية، وخاصة تويتر وخدمات الدردشة الجماعية مثل واتس أب».

 تناقضات داخل الحزب

يبدأ الفصل الثاني بالتنافس الدرامي غير العادي على زعامة حزب المحافظين، والذي أثاره القرار الذي اتخذه ديفيد كاميرون، بالتنحي عن منصب رئيس الوزراء. ثم يلقي الضوء على شهر العسل القصير للغاية الذي استمتعت به الفائزة في تلك المنافسة، تيريزا ماي، والذي ألزمت البلاد خلاله بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بشكل أصعب مما توقعه الكثيرون (أو اعتقدوا أنه أمر حكيم) قبل الدعوة إلى انتخابات مبكرة كانت قد دعت إليها في البداية. ويحلل الفصل الثالث تلك الانتخابات. أين حدث كل هذا الخطأ؟ وما العواقب بالنسبة للحزب الذي كان، حتى اللحظة الأخيرة، يتوقع بثقة عودته بأغلبية مطلقة، من دون أن يسعى جاهداً إلى ضمان قدرته على الاستمرار كحكومة أقلية في برلمان معلق؟

 يستكشف الفصل الرابع كفاح ماي الهائل (لمرة واحدة) لتأمين الدعم البرلماني للانسحاب المنظم من الاتحاد الأوروبي بين صيف عام 2017 وصيف عام 2019. ماذا فعل هذا الصراع بالتوازن الأيديولوجي لحزب المحافظين؟ والنزاهة (بالمعنى التنظيمي والأخلاقي لهذه الكلمة)، ليس فقط في وستمنستر ولكن أيضاً على المستوى الشعبي؟

 ويحلل الفصل الخامس السباق الثاني على القيادة الذي نظمه الحزب في أعقاب أدائه الكارثي في انتخابات البرلمان الأوروبي، وهو السباق الذي تضمن هذه المرة منافسة في البلاد، وليس فقط في مجلس العموم. ربما كان بوريس جونسون واحداً من السياسيين البريطانيين القلائل الذين يُشار إليهم بشكل روتيني باسمه الأول (حتى لو كان اسمه الأول في الواقع ألكسندر)، ولكن هل كان من المحتم أن يفوز حقاً؟ وإذا كان الأمر كذلك، لماذا؟ فما المشكلة التي بدا وكأنه (إن لم يكن لجميع زملائه البرلمانيين، أو حتى لأعضائهم على مستوى القاعدة الشعبية) يقدم مثل هذا الحل الواضح؟

 يغطي الفصل السادس الفترة الحاسمة بين تولي جونسون منصب زعيم حزب المحافظين وحصول المحافظين على أغلبية «ساحقة» في مجلس العموم في الانتخابات العامة لعام 2019. هل كان الأمر كله راجعاً إلى رئيس الوزراء ووعده «بإنجاز خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي»؟ أو ربما كان هناك ما هو أكثر من ذلك؟

 يستكشف الفصلان السابع والثامن كيفية تعامل المحافظين مع التحديات التي فرضتها كورونا والحاجة إلى إكمال المرحلة الانتقالية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على مدار عامي 2020 و2021. إلى أي مدى كانت التوترات - التي تفاقمت بسبب الطموح الفردي بقدر ما تفاقمت بسبب الأيديولوجية والمصالح المادية - مسؤولة عن معاناة المملكة المتحدة (كدولة ديمقراطية متقدمة) لتكون واحدة من أسوأ الدول التي لقي الناس فيها حتفهم بسبب الوباء؟

 ويتناول الفصل التاسع كيف بدأت الأمور تسير بشكل خطأ بالنسبة للحزب وبوريس جونسون في خريف عام 2021. ثم يختتم الفصلان العاشر والحادي عشر القصة باستقالته المترددة، وانتصار ريشي سوناك في نهاية المطاف في المنافسة المريرة، ليحل محله رئيساً للوزراء. أين هو حزب المحافظين بالضبط، وما هو بُعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟ هل نجح، على مدى ست سنوات من الاضطراب، وبقدر كبير من السخرية، في تحويل نفسه بشكل فعّال، ليس دائماً عن قصد؛ بل كنتيجة ثانوية للمنافسة الانتخابية الداخلية والخارجية على حد سواء، من جماعة يمين الوسط السائدة إلى جماعة مصطنعة؟ هل هو نسخة من التمرد اليميني المتطرف الشعبوي الذي كان من المفترض أن يساعد الاستفتاء في التخلص منه؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل يتمتع زعيم حزب المحافظين الجديد، الذي تم اختياره بعد الانهيار المذهل للمرأة التي هزمته قبل بضعة أسابيع فقط، بأي فرصة، أو حتى لديه أي نية، لتغيير المسار؟ أم أن هذا، على الأقل لفترة من الوقت، هو الوضع الطبيعي الجديد؟

 يتعمق الفصل الأخير في مسار الحزب تحت قيادة قادة مثل ليز تراس وريشي سوناك، ويتطرق إلى نضالات الحزب في التوفيق بين تحوله حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وآفاقه الانتخابية. على الرغم من قدرة حزب المحافظين التاريخية على التكيف والفوز، فإن الكتاب يتساءل عن مدى نجاح الحزب بعد هذا التحول العميق وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الذي لا يحظى بشعبية.

 يستعرض الكتاب في الختام، رحلة حزب المحافظين من خلال عدسة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، موضحاً التحديات والتناقضات التي ميّزت تاريخه الحديث. يعكس الكتاب الاختيارات التي اتخذها قادة الحزب وتداعيات استراتيجياتهم. بشكل عام، يقدم هذا العمل تحليلاً شاملاً لفترة محورية في السياسة البريطانية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن المترجم

نضال إبراهيم
https://tinyurl.com/mte2ammb

كتب مشابهة

1
ريتشارد يونغز
1
ريتشارد سيمور

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

المزيد من الكتب والكتاب

1
كلير فيرغيريو
1
أفشون أوستوفار
1
هربرت ريموند مكماستر
1
جوزيبي بلاشي وروب غودمان
1
بيل أوريلي ومارتن دوجارد
1
أديوالي ماجا بيرس