عادي

عذب الكلام

22:16 مساء
قراءة 3 دقائق

إعداد: فوّاز الشعّار

لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.

في رحاب أم اللغات

من بدائعِ الاستعارة قولُ أبي الطيّب:

نَشَرَتْ ثَلاثَ ذَوائِبٍ من شَعْرِها

في لَيْلَةٍ فَأرَتْ لَياليَ أرْبَعا

واستَقْبَلَتْ قَمَرَ السَّماءِ بوَجْهِها

فأرَتْنيَ القَمَرَيْنِ في وقْتٍ مَعا

في البيت الأول، استعار الليل، ليدلّ على كثافة شعرها، وفي الثاني استعار الشّمْس والقَمر، لوصف جمال وجهها.

وقولُ البُحتريّ:

إذا العَيْنُ رَاحتْ وهيَ عَيْنٌ على الجَوى

فَلَيْسَ بِسِرٍّ ما تُسِرُّ الأضَالِعُ

استعار «عَيْن» الثانية، بمعنى الجاسوسِ.

وقول قُرَيْط بن أُنَيْف:

قَوْمٌ إِذا الشَّرُّ أبْدَى ناجِذيْهِ لَهُمْ

طاروا إِلَيْهِ زَرافاتٍ ووُحْدانا

استعار الوحش لوصف الشرّ.

دُرَرُ النّظْمِ والنَّثْر

أمِنْ تذَكُّرِ جيرانٍ

البوصيري، (من البسيط)

أمِنْ تذَكُّرِ جيرانٍ بذي سَلَمِ

مَزَجْتَ دَمْعاً جَرى مِنْ مُقْلَةٍ بِدَمِ

أمْ هبَّتِ الرّيحُ مِنْ تِلْقاءِ كاظِمَةٍ

وأوْمَضَ البَرْقُ في الظَّلْماءِ مِنْ إضَمِ

فما لِعَيْنَيْكَ إنْ قُلْتَ اكْفُفا هَمَتا

وما لِقَلْبِك إنْ قُلْتَ اسْتَفِقْ يَهِمِ

أَيَحْسَبُ الصَّبُّ أنَّ الحُبَّ مُنْكَتِمٌ

ما بَيْنَ مُنْسَجِمٍ مِنْهُ ومُضطَرِمِ

لَوْلا الهَوَى لَمْ تُرِقْ دَمْعاً عَلى طَلَلٍ

ولا أَرِقْتَ لِذِكْرِ البانِ والعَلم ِ

فَكَيْفَ تُنْكِرُ حُبَّاً بَعْدَ ما شَهِدَتْ

بِهِ عَلَيْكَ عُدُولُ الدَّمْعِ والسَّقَمِ

وأَثْبَتَ الوَجْدُ خَطَّيْ عَبْرَةٍ وضَنىً

مِثْلَ البَهارِ عَلى خَدَّيْكَ والعَنَمِ

نَعَمْ سَرَى طَيْفُ مَنْ أَهْوَى فَأَرَّقَنِي

والحُبُّ يَعْتَرِضُ اللَّذاتِ بِالأَلَمِ

يا لائِمِيْ فِي الهَوى العُذْرِيِّ مَعْذِرَةً

مِنِّي إِلَيْكَ ولَوْ أَنْصَفْتَ لَمْ تَلُمِ

عَدَتْكَ حالِيَ لا سِرِّي بِمُسْتَتِرٍ

عَنِ الوُشاةِ ِ ولا دائِي بمُنْحَسِمِ

مَحَّضْتَنِي النُّصْحَ لَكِنْ لَسْتُ أَسْمَعُهُ

إِنَّ المُحِبَّ عَنِ العُذَّالِ فِي صَمَمِ

من أسرار العربية

في تَفْصِيلِ حَرَكَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ: الارْتِكَاضُ: حَرَكَةُ الجَنِينِ في البَطْنِ. النَّوْسُ: الغُصْنِ بالرِّيح.

التَّدَلْدُلُ: الشّيءِ المُتَدَلِّي. التَّرَجْرُجُ: الكَفَلِ السَّمِينِ والْفالُوذَجِ الرّقِيقِ. النَّسِيمُ: الرِّيحِ في لِينٍ وضُعْفٍ. الذَّماءُ: حَرَكَةُ الفَتِيلِ. إذا حَرَكَ يَدَهُ على عاتِقِهِ وأَشارَ بِها إِلى ما خَلْفَهُ أنْ كُفَّ: الإيباءُ. أقام أصابِعَهُ وضَمَّ بينها في غَيْرِ الْتِزَاقٍ: العِقاصُ. جَعَلَ كَفَّهُ تُجاهَ عيْنِهِ اتّقاءً مِنَ الشَّمْسِ: النِّشارُ. جَعَلَ أصابعَهُ بَعْضَها في بَعْضٍ: المُشاجَبَةُ. ضَرَبَ إحْدَى راحَتَيْهِ عَلى الأخْرَى: التَّبَلُّدُ؛ (وقال لغويون: التّصْفِيقُ أَحْسَنُ وأَشْهَرُ مِنَ التّبَلُّدِ).

ضَمَّ أطْرافَ الأصابِعِ: القَبْصَة. حَرَّكَ السَّبَّابةَ وَحْدَها: الإِلِواءُ؛ يقولُ فقهاء اللغة «ولَعَلَّ اللَّيَّ أحْسَنُ، فإِنَّ البُحتُرِيّ يَقُول:

لَوَى بالسَّلامِ بَناناً خَضِيبا

ولَحْظاً يَشُوقُ الفُؤادَ الطَّرُوبا

هفوة وتصويب

يكتبُ بعضُهم: «واضطرد الأمرُ»، وهي خَطأٌ، والصّوابُ: «اطَّرَدَ»، بمعنى استقامَ. واطَّرَدَتِ الأَشياءُ: تَبِعَ بَعضُها بعضاً. واطَّرَدَ الكلامُ: تتابَع. واطَّرَدَ الماءُ: تتابَع سَيَلانُه؛ قال قَيْسُ بن الخَطيم:

أَتَعرِفُ رَسْماً كاطِّرادِ المَذاهِبِ

لِعَمْرَةَ وَحْشاً غَيْرَ مَوْقِفِ راكِبِ

أَراد ب«المَذاهِبِ» جلوداً مُذْهَبَةً بخُطوطٍ يُرى بَعضُها في إِثرِ بَعْض فكأَنها مُتَتابعَة.

أمّا «اضطرب»، فتثبت فيها الطاءُ، لأنّها من ضَربَ. وضَرَبَ العِرْقُ والقَلْبُ، يَضْرِبُ ضَرْباً وضَرَباناً: نَبَضَ وخَفَقَ. والضَّارِبُ: المُتَحَرِّك. والمَوْجُ يَضْطَرِبُ أَي يَضْرِبُ بعضُه بعضاً. والاضطِرابُ: تَضَرُّبُ الولد في البَطْنِ. واضْطَرَب أَمْره: اخْتَلَّ، واضْطَرَبَ البرقُ في السحاب: تَحَرَّكَ.

من حكم العرب

حَسَدوا الفَتى إِذْ لَم يَنالوا سَعْيَهُ

فَالقَوْمُ أَعْداءٌ لَهُ وخُصومُ

كَضَرائِرِ الحَسناءِ قُلنَ لِوَجْهِها

حَسَداً وبَغْياً إِنَّهُ لَدَميمُ

البيتان لأبي الأسود الدؤلي، يقول إنّ الحسدّ والغَيْرة الضارّة من شرّ ما يقترفه كثيرٌ من الناس، وهذا الحسدُ، يؤجّج الفتنة، فالناجح قد يلاقي خصوماً وأعداء، لأنّه ناجح ومتميّز، كما تشوّه الضرائر جمال المرأة الحسناء.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/7zf966u8

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"