المسار التركي المعقد مع أوروبا

00:05 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد نورالدين

تلقت تركيا مؤخراً، صدمتين كبيرتين لم تكونا في الحسبان. الأولى أن قمة فيلنيوس الأطلسية في يوليو/ تموز الماضي، كانت مفترق طرق في تحولات تركية في العودة إلى الحضن الغربي/الأطلسي، عندما رفعت الفيتو الموضوع على انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي، كما دعمت انضمام أوكرانيا إليه.

 وقد أدى ذلك، كما بات معروفاً، إلى توتر وتشنج وفتور في العلاقات التركية – الروسية، بحيث أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ظل يؤخر اللقاء المتوقع بعد قمة فيلنيوس مع نظيره التركي، إلى أن انعقد أخيراً في مطلع سبتمبر/ أيلول الجاري.

 حصل اللقاء أخيراً في سوتشي، ولكنه انتهى إلى نتائج مخيّبة، بحيث لم توافق روسيا على مسعى أردوغان لتجديد اتفاقية الحبوب الأوكرانية إلا وفقاً لشروطها، فيما لم يحمل أردوغان معه إلى القمة مع بوتين أي تنازل غربي، فكان من الطبيعي أن تنتهي القمة إلى صفر كبير، ويطرح التساؤل عما إذا كانت العلاقات التركية- الروسية دخلت مرحلة «الانكسار».

 بعد خيبة سوتشي كانت تركيا يوم الأربعاء، 13 الجاري، على موعد مع صدمة ثانية، مع صدور التقرير الخاص بها عن عام 2022 من جانب البرلمان الأوروبي بأغلبية ساحقة، هي 434 نائباً، مقابل اعتراض نفر قليل من النواب لم يتعد الثمانية عشر.

 ومع أن التقرير أشاد بجهود تركيا في الوساطة بين روسيا وأوكرانيا، فقد دان سجل تركيا في الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات والقضاء. ودعا إلى منح الأقليات الدينية والإثنية حقوقها وحماية حقوق المرأة.

 ومع أن التيار المحافظ في تركيا الذي تمثله السلطة الحالية يخوض حرباً ضروساً ضد المثليين، ويمنع اجتماعاتهم، فقد دعا التقرير في استفزاز واضح لقسم كبير من المجتمع التركي إلى حماية «حقوق» المثليين.

 مع ذلك، فإن الأهم في التقرير، كان في اعتبار أن استئناف المفاوضات مع تركيا حول عضويتها في الاتحاد، غير ممكن في الوقت الحالي، نظراً لعدم توافر مثل هذه الشروط لدى الجانب التركي.

 وقد أثار ذلك غضباً شديداً في أنقرة، فبادرت وزارة الخارجية إلى اعتباره فاقداً للعقلانية، كأنه لم يكن ولا يلزم تركيا بشيء.

 لم تنته الأمور عند حد صدور التقرير وردة فعل الخارجية التركية عليه. فقد قال الرئيس أردوغان بعد وصوله إلى نيويورك، مطلع الأسبوع الجاري، للمشاركة في اجتماعات الهيئة العامة للأمم المتحدة، إن أوروبا تريد قطع مسار العلاقات مع تركيا. ولذلك فإن تركيا بدورها سوف تقوم بتقييم الوضع، وقد تكون أمام قطع هذا المسار إذا تطلب الأمر ذلك.

 موقف أردوغان اعتبر ذروة في التصعيد مع الاتحاد الأوروبي. وكان التفاؤل، بعد قمة فيلنيوس، قد طغى على الإعلام التركي الموالي لأردوغان على الأقل، عندما أشاع مناخاً عالي السقف في إمكانية مقايضة موافقة تركيا على انضمام السويد وفنلندا، ولاحقاً أوكرانيا، إلى حلف شمال الأطلسي، مقابل دعم الحلف لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. وربما كان هذا الانطباع لدى أنقرة خاطئاً وخادعاً، نظراً لأن الأوروبيين نفوا فوراً أي صلة بذلك بين المسألتين، فيما لا يمون حلف شمال الطلسي، ولا يحق له التدخل في هذا النوع من العلاقات في مؤسسة أخرى.

 ولعل هذا الانطباع التركي الخاطئ كان لتبرير التنازل عن الفيتو ضد السويد تحديداً، وتصوير الأمر على أنه انتصار لأنقرة، وليس تنازلاً. ذلك أن تركيا كانت تأمل من دون حسم نهائي أن تحصل على طائرات «إف 16» أمريكية حديثة الطراز، ولا يزال الكونغرس الأمريكي يتباطأ في الموافقة على ذلك. وهو ما هدد به أردوغان بأن لدى تركيا أيضاً برلمان ويجب انتظار قراره النهائي بشأن السويد. وبالتالي، فإن انضمام السويد ليس محسوماً بعد قبل معرفة قرار البرلمان التركي.

 تعود الأمور في نيويورك إلى نقطة الصفر، ليس في العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوروبي فقط، بل كذلك في مسألة انضمام السويد النهائي من عدمه. وربما يدخل كل هذا في إطار لعبة عضّ الأصابع والضغوط المتبادلة.

 لكن في رأينا الأهم من مسألة انضمام السويد، هو العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوروبي. لأن قطع مسار التفاوض الممل المستمر منذ ستين عاما(؟) منذ عام 1963 يعني الكثير والكثير، وعلى مختلف الصعد، الداخلية والإقليمية والدولية، كما لتركيا كذلك للاتحاد الأوروبي. وفي هذا كلام لنا عودة إليه قريباً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4dykjtex

عن الكاتب

باحث ومؤرخ متخصص في الشؤون التركية .. أستاذ التاريخ واللغة التركية في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية.. له أكثر من 20 مؤلفاً وعدد من الأبحاث والمقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"