استعرضت شركة «إس إيه بي كونكر»، أمس الأحد، على لسان جابرييل إندريري، نائب الرئيس والمدير التنفيذي لمنطقة جنوب أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا لدى الشركة، دور علم السلوك البشري في مساعدة المؤسسات على تشجيع اللجوء إلى الخيارات الصديقة للبيئة. وأشارت دراسة حديثة أجرتها الشركة، إلى أن 99% من المؤسسات تطمح إلى تعزيز الاستدامة، في حين أنّ 44% منها غير متأكدة بشأن السبل الكفيلة لتحقيق هذا الهدف.
ومع اقتراب موعد انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (كوب 28)، تتأكد الحاجة إلى خفض الانبعاثات بنسبة 43%، بحلول عام 2030، وبالرغم من التركيز الحاصل على الاستدامة منذ اتفاق باريس المنعقد قبل سبع سنوات، فإن تحويل النيّات إلى أفعال ما زال يشكل تحدّيًا، إذ يكافح الجميع لتحقيق التوازن بين رغباته في الحفاظ على البيئة، ومواصلة اتباع عاداته القديمة، التي قد لا يراعي الكثير منها جوانب الاستدامة. وبالنظر إلى «الفجوة بين المواقف والسلوكيات»، يمكن للمؤسسات في منطقة الشرق الأوسط، أن تلعب دورًا في مساعدة الموظفين على إحداث التغيير، من خلال تبني ممارسات مستدامة، لا سيما في مجالات حيوية مثل السفر.
إن سعي المؤسسات إلى إقناع موظفيها بتبني مبادئ السفر المستدام، يواجه معركة شاقة، فبينما يعرف الجميع أهمية الحدّ من آثار الكربون، ثبت أن من الصعب إقناع الأفراد بإجراء تغييرات مهمة، أو ربما جذرية، قد تنطوي على بذل المال أو الوقت أو التفريط بشيء من الراحة. ويتمثل حلّ هذا التحدّي في تحوُّل المؤسسات إلى خيار «الإيعاز الأخضر»، وهو نهجٌ متجذّر في مبادئ العلوم السلوكية، لتوجيه الموظفين بلطف نحو خيارات سفر أكثر استدامة، ما يجعل المؤسسات قادرة على أن تمهّد الطريق لإحداث تغيير حقيقي، عبر خلق الظروف التي تسهّل اتباع السلوك الرفيق بالبيئة، بدل فرض القواعد والأحكام.
- ماذا عن «الإيعاز الأخضر»؟
اكتسب مفهوم الإيعاز مكانة بارزة، لأول مرة من خلال العمل المؤثر للمؤلفين الأمريكيين ريتشارد ثالر وكاس سنشتاين، في كتابهما الصادر عام 2008، بعنوان «الإيعاز: تحسين القرارات المتعلقة بالصحة والثروة والسعادة»، فكرتهم في جوهرها، تقوم على أن «الخيار الأسهل إذا كان يتوافق مع الاختيار الصحيح، فمن المرجح أن يتبناه الأفراد»، فعلى سبيل المثال، عندما تضع كافتيريا المؤسسة اختيارات البدائل الصحية من فواكه وسلطات في مواضع مدروسة، بحيث تكون عند مستوى النظر أو بمحاذاة طابور المحاسبة، فإن الموظفين يصبحون أميل لاختيارها، وبالمثل، فإن المدن التي تتمتع ببنية تحتية متطورة لركوب الدراجات، والمؤسسات التي تستثمر في إقامة مرافق ممتازة للاستحمام وتغيير الملابس، تشجع الموظفين على الانتقال من قيادة المركبات إلى ركوب الدراجات في تنقلاتهم اليومية إلى العمل ذهابًا وإيابًا.
الإيعاز الأخضر يعمل من خلال خلق بيئات يشهد فيها السلوك المستدام ازدهارًا طبيعيًا، وهذا نهج من شأنه تمكين المؤسسات من استكمال الأساليب التقليدية المتبعة لتغيير السلوك، كالحملات الإعلامية والمناشدات والحوافز المالية والمحظورات، وفي سياق الاستدامة، يُعدّ الإيعاز الأخضر أداة يمكن للمؤسسات استخدامها لتعزيز اتباع السلوكيات الصديقة للبيئة.
- إيعاز وسفر مستدام
وللوصول إلى تقدّم حقيقي في جهود الاستدامة وتقليل آثار الكربون، يجب على المؤسسات دراسة سبل تحفيز السلوكيات الصحيحة بين موظفيها، وهو أمر يستلزم الاعتراف بأن مجرد الوعي بالحاجة الملحة لتغير المناخ لا يضمن حدوث تحوّلات سلوكية، وهنا يبرز الإيعاز الأخضر كونه آلية قوية ودقيقة لتعزيز التغيير الإيجابي.
وبوسع المؤسسات التعرّف على العديد من أساليب الإيعاز الأخضر التي تشمل ما يلي:
- توضيح الرؤية: يمكن لرسائل التذكير البسيطة، التي توضع في أدوات الحجز المؤسسية، أن توعز للموظفين بالتوجّه نحو خيارات سفر أكثر مراعاة للبيئة، فرسائل مثل «فكر في ركوب قطار بدلًا من طائرة للسفر داخل الدولة» تشجع على اتخاذ قرارات مراعية للبيئة، كذلك يمكن لحلول إدارة السفر الفورية إبلاغ المسافرين بخيارات النقل المستدامة عند وصولهم إلى المطارات، وإتاحة معلومات محدّدة: عندما يتلقى الأفراد بيانات دقيقة حول التأثير البيئي لخياراتهم، فإن ذلك يؤثر في القرارات التي يتخذونها. وبوسع المؤسسات دمج معلومات ثاني أكسيد الكربون في خيارات النقل أثناء عملية الحجز، ما يسمح للمسافرين من رجال الأعمال بإجراء اختيارات مستدامة دون عناء.
- ضبط الإعدادات الافتراضية: غالبًا ما يختار الأشخاص اختيارات افتراضية عند استخدام الأجهزة التقنية، وهنا يمكن للمؤسسات الاستفادة من هذا عبر ضبط خيارات الفرز الافتراضية في أدوات حجز السفر الخاصة بها، لمنح الأولوية للخيارات التي تراعي خفض الانبعاثات.
- تغيير الأعراف الاجتماعية: إن إدراك التأثير العميق لسلوكيات الأقران وتعزيز ثقافة تكون فيها الاستدامة هي الأساس، يحفّز الآخرين لأن يحذوا حذوهم، وبوسع قادة الأعمال أن يعرّفوا موظفيهم بخيارات السفر المستدامة، التي يلجأون هم أنفسهم إليها، فيشجعونهم على اتخاذهم قدوة لهم.
- تمهيد الطريق نحو مستقبل أكثر استدامة: إن مما يتعين على المؤسسات، التي تتبنى مفهوم الإيعاز الأخضر في المنطقة، أن تضمن الشفافية وتتجنب الممارسات المضللة، ما يوجب عليها إتاحة المجال أمام الأفراد لإلغاء اشتراكهم في تنبيهات الإيعازات بنقرة واحدة، وبالتالي تجنّب أي تصوّر للتلاعب الخفي.
وقال جابرييل إندريري، نائب الرئيس والمدير التنفيذي لمنطقة جنوب أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا لدى «إس إيه بي كونكر»: «إن بناء برنامج سفر أعمال مستدام، يظلّ مهمة معقدة، وتكشف الأبحاث الحديثة التي أجرتها الشركة عدم وضوح الطريق نحو المستقبل. ومع ذلك، يظهر مفهوم الإيعاز الأخضر بوصفه وسيلةً واعدة للمؤسسات لدعم موظفيها، وتعزيز أهدافها الخاصة بالاستدامة. إن الإيعاز إلى الموظفين والأفراد وتوجيههم بلطف نحو خيارات أكثر مراعاة للبيئة، يمكّن المؤسسات من لعب دور محوري في تشكيل مستقبل أكثر استدامة للمنطقة والعالم».
