عادي
تربك أولياء الأمور وتنعكس على الطلاب

آلية تحصيل الرسوم.. «فوضى منظمة» في مدارس خاصة

01:37 صباحا
قراءة 6 دقائق

تحقيق: محمد إبراهيم

تمثل آلية سداد الرسوم الدراسية في بعض المدارس الخاصة إشكالية تربك أولياء الأمور وتعوق التحاق أعداد كبيرة من الطلبة بالدراسة، إذ تتفاوت النسب التي تفرضها إدارات المدارس، فهناك من يجبر الآباء على سداد 50% من قيمة الرسوم المدرسية في القسط الأول، وتوزيع ما تبقى على قسطين آخرين، مما دفع أولياء أمور لوصف هذا التفاوت بأنه «فوضى منظمة» تحدث من دون تدخل الجهات المعنية، فيما تباينت آراء إدارات مدرسية، إذ أكد فريق أن الرسوم الدراسية يتم توزيعها على 3 أقساط متساوية على مدار العام الدراسي، فيما أفاد فريق آخر أن ولي الأمر ملتزم بسداد الرسوم وفق الضوابط التي تضعها المدرسة، لتمكينها من الوفاء بالتزاماتها.

«الخليج» تناقش مع الميدان إشكالية تعددية آلية سداد الرسوم الدراسية، ومن المسؤول الأول عن إعدادها، ولماذا لا يسبقها موافقات مكتوبة من الجهات المعنية، لضبط إيقاع آليات السداد وتمكين ولي الأمر منها؟

تتعمد بعض المدارس الخاصة إقرار نسبة بعينها من قيمة الرسوم الدراسية، يدفعها أولياء الأمور مع القسط الأول، وتتفاوت هذه النسبة من مدرسة إلى أخرى، وتصل في بعض المدارس إلى 50%، أي ما يعادل نصف الرسوم الدراسية، وهو ما يتسبب في إشكالية كبيرة تربك حسابات أولياء الأمور وتعوق التحاق أعداد كبيرة من الطلبة بالدراسة.

وعلى الرغم من أن الجهات المعنية بالتعليم الخاص، تعتمد الرسوم المقررة وفق اللوائح وتقييمات المدارس سنوياً، فإنها منحت الإدارات حق جدولة الرسوم الدراسية وفق المعطيات والتشاور مع أولياء الأمور في إطار العقود المعتمدة، وهو ما يدفع المدارس للتحكم في هذه النسبة من دون مراعاة قدرات أولياء الأمور.

ويؤكد خبراء التعليم ضرورة وجود آليات وضوابط موحدة ومعتمدة تعمل من خلالها المدارس الخاصة، فيما يخص سداد الرسوم، على أن تراعي احتياجات وممكنات وقدرات المدارس وأولياء الأمور، لسد فجوة المطالبات والاختلافات والجدل في الميدان.

سيناريوهات

البداية كانت مع رصد «الخليج» لميدان التعليم الخاص، بشأن السيناريوهات المتاحة لسداد الرسوم الدراسية، إذ تبين أن الرسوم الدراسية جميعها معتمدة من الجهات المعنية، مع بيان اعتمادات الزيادة للعام الدراسي الجاري، ولكن اختلفت آلية سداد الرسوم من مدرسة إلى أخرى، إذ إن هناك مدارس اشترطت سداد 50% من قيمة الرسوم للقسط الأول والباقي على دفعتين، الأمر الذي أعاق التحاق أعداد كبيرة من الطلبة بالدراسة، لعدم قدرة أولياء الأمور، لاسيما الذين لديهم أكثر من طالب في مراحل التعليم المختلفة، على الوفاء بالالتزامات.

وتعددت المسببات من إدارات المدارس، فتارة تحاكي الميزانية التشغيلية وأخرى تركز على جدولة الأرباح، بحيث تكون مستمرة على مدار العام الدراسي، بناء على تعليمات ملاك تلك المدارس، في المقابل رصدت «الخليج» إدارات مدرسية أكثر مرونة في هيكل توزيع أقساط سداد الرسوم الدراسية، التي جاءت متساوية تقريباً على مدار العام الدراسي بواقع 35% للقسط الأول و30% للثاني و35% للثالث، فكان هناك إقبال كبير عليها من قبل أولياء الأمور بعيداً عن القيمة الإجمالية للرسوم.

تفوق القدرات

في لقاء مع أولياء الأمور شيماء معتصم، ومهرة علي، وسامح فوزي، وإيهاب زيادة، ومحمود ماضي، أكدوا أن مدارس أبنائهم اعتادت أن تثقل كاهلهم مع بداية كل عام دراسي، تارة بالرسوم الأساسية التي تختلف فيها قيمة القسط الأول من عام إلى آخر، أو رسوم الكتب والدفاتر الإلزامية التي يتضاعف ثمنها مقارنة بأسعارها خارج المدرسة، فضلاً عن رسوم الاختبارات وغيرها.

وأكدوا عدم قدرتهم على سداد 50% من الرسوم الدراسية للعام الدراسي الجديد، لاسيما أنهم يواجهون صعوبات مالية، إذ إن لديهم أكثر من طالب في مراحل التعليم المختلفة، مع اختلاف وتفاوت الرسوم الدراسية من مرحلة لأخرى، ونفدت قدرتهم على تحمل أعباء الرسوم الدراسية المرتفعة، وما تفرضه إدارات المدارس من أقساط الدفعات يفوق قدراتهم.

وأفادوا بأن مدارس أبنائهم لم تقدم لهم أي تسهيلات أو مساعدات، وافتقرت في تعاملها إلى المرونة تماماً، مما اضطرهم إلى ترك أبنائهم في البيت من دون تعليم، مؤكدين أن هذه الأزمة تؤثر سلباً في مستقبل الطلاب، حيث إنهم يحرمون من التعليم الجيد، الذي يعد حقاً أساسياً لجميع الأطفال، مطالبين بتدخل الجهات المعنية لإيجاد حلول عاجلة لمساعدة أولياء الأمور على سداد الرسوم الدراسية بمرونة تناسب أوضاعهم المعيشية، لضمان استمرار أبنائهم في التعليم.

تسهيلات عديدة

جمعنا أوراقنا والتقينا عدداً من مديري المدارس وهم، خلود فهمي، وسلمى عيد، وحميدان ماضي، وخالد عريف، للوقوف على ملابسات المشكلة، فأكدوا أن الرسوم الدراسية يتم تقسيمها بشكل عادل يناسب القدرة المالية للأسر، وأن المدارس تقدم تسهيلات عديدة لأولياء الأمور من ذوي الدخل المحدود.

وقالوا إن هيكل سداد الرسوم الدراسية عادل في مضمونه ومكوناته، وتتناسب مع جودة التعليم والخدمات المقدمة، إذ يستطيع ولي الأمر سداد الرسوم على 3 أقساط متساوية على ألا يقل القسط الأول عن 35% من دون رسوم الكتب والزي المدرسي والدفاتر التي تتاح اختيارياً للطالب.

ميزانية تشغيلية

في ردهم على سؤال عن الميزانية التشغيلية، أفاد مديرو المدارس بأنها تتضمن رواتب المعلمين والنفقات التشغيلية والمرافق التعليمية والبرامج الأكاديمية وغيرها، وإن كانت هذه النفقات تستند إلى الرسوم الدراسية بشكل وثيق، إلا أنها ليست إلزامية ولا علاقة لها بزيادة القسط أو نقصانه، والمهم أن يسدد ولي الأمر الرسوم الدراسية مع نهاية العام.

وأشاروا إلى بعض التسهيلات المقدمة لأولياء الأمور، لاسيما ذوي الدخل المحدود، إذ تقدم المنح الدراسية للطلاب المتفوقين من الأسر الفقيرة، وتوفر خصومات للطلاب من الأسر متعددة الأبناء، وإمكانية تقسيط الرسوم الدراسية، وإمكانية تأجيل سداد الرسوم الدراسية في حالة تعرض أولياء الأمور لظروف طارئة، مشددين على أن هذه التسهيلات تهدف لضمان استمرار جميع الطلاب في التعليم، بغض النظر عن وضعهم الاجتماعي والاقتصادي.

استقرار المدارس

التقينا فريقاً آخر من مديري المدارس الخاصة «فضلوا عدم ذكر أسمائهم»، إذ فرضوا على أولياء الأمور سداد 50% من الرسوم في القسط الأول والباقي على قسطين، حيث أوضحوا في مسبباتهم، ضمان استقرار المدارس مالياً، حيث إن الرسوم الدراسية تعد المصدر الرئيسي للدخل بالنسبة للمدارس الخاصة، وبالتالي فإن عدم سداد الرسوم الدراسية بالكامل قد يعرض المدارس لمشاكل مالية كبيرة.

وأكدوا أن قيمة القسط الأول التي تصل لنصف قيمة الرسوم تعد ضمانة لاستمرارية العملية التعليمية، حيث إن المدارس تحتاج إلى الموارد المالية اللازمة لتوفير التعليم الجيد للطلاب، وبالتالي فإن عدم سداد الرسوم الدراسية بالكامل قد يؤثر في جودة التعليم، فضلاً عن ضمان التزام ولي الأمر بمسؤولياته، حيث إن إلزام ولي الأمر بدفع 50% من الرسوم الدراسية يؤكد التزامه بمسؤولية تعليم أبنائه، إضافة إلى التزام المدرسة بالوفاء بالمصاريف التشغيلية من رواتب المعلمين والهيئات الأخرى.

وقالوا إن وضع الهيكل المناسب لتحصيل الرسوم الدراسية لا يخالف القانون ويعد حقاً مكفولاً للإدارات المدرسية بما يتوافق مع أوضاعها وخططها التشغيلية، ولم يجيبوا عن سؤال عن الحصول على موافقة الجهات المعنية على هيكل الرسوم، ولم نتلق منهم أي تعقيب على الطلبة الذين لم يتمكنوا من الدراسة بسبب هيكل السداد المعتمد.

ضوابط موحدة

طرحنا المشكلة على الخبير التربوي الأستاذ الجامعي الدكتور وافي الحاج، الذي أكد ضرورة إيجاد آليات وضوابط موحدة ومعتمدة لسداد الرسوم الدراسية في المدارس الخاصة، على أن تكون عادلة ومنصفة، وتراعي مصلحة جميع الأطراف، وتحمي حقوق الطلاب وأولياء الأمور، وتضمن استمرار جميع الطلاب في التعليم، بغض النظر عن وضعهم الاجتماعي والاقتصادي، فضلاً عن وضع آلية لتسوية الخلافات بين المدارس الخاصة وأولياء الأمور بشأن الرسوم الدراسية.

واقترح الحاج إيجاد ضوابط من شأنها تحديد مواعيد سداد الرسوم الدراسية، وضمان حصول أولياء الأمور على وقت كافٍ للاستعداد لسدادها، ومنح أولياء الأمور تسهيلات في سداد الرسوم الدراسية، مثل إمكانية التقسيط أو تأجيل السداد، موضحاً أن عمل هذه الضوابط تحت إشراف الجهات التي تشرف على المدارس الخاصة تقلص من النزاعات بين الإدارات والآباء، وتسهم في تحسين العلاقة بين المدارس الخاصة وأولياء الأمور.

أهم القضايا

ترى المستشارة النفسية والأسرية أميمة حسين، أن هذه القضية من القضايا المهمة التي تتطلب تدخلاً عاجلاً من الجهات المعنية، لضمان استمرار جميع الطلاب في التعليم، وحماية حقوقهم، موضحة أنه يجب أن تحدد المدارس الخاصة مواعيد سداد الرسوم الدراسية بشكل واضح، وينبغي أن يكون هناك وقت كافٍ بين كل موعد سداد وآخر، حتى يتمكن أولياء الأمور من الاستعداد لسداد الرسوم.

وأكدت أن هذه النوعية من الإشكاليات تؤثر في الطالب نفسياً بشكل سلبي، وتسهم في تراجع مستواه العلمي والدراسي، لذلك هناك ضرورة ملحة لمعالجة هذه الإشكالية التي قد يبتدعها أحد أطراف العملية التعليمية، وتؤثر سلبا في المخرجات، وعلى المدارس الخاصة التزام المرونة وتسهيل مهمة ولي الأمر للوفاء بالتزاماته المالية تجاه تعليم أبنائه، ولا مانع من منح المدارس أولياء الأمور تسهيلات في سداد الرسوم الدراسية، وإمكانية التقسيط أو تأجيل السداد، خاصةً في الحالات الطارئة أو للأسر محدودة الدخل التي لديها أكثر من طالب في مراحل التعليم المختلفة ويدرسون في نفس المدرسة.

واقترحت وضع آلية لتسوية الخلافات بين المدارس الخاصة وأولياء الأمور بشأن الرسوم الدراسية، لضمان حماية حقوق الطرفين، وتحقيق التوازن بين حقوق المدارس الخاصة وأولياء الأمور.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3fhufhd6

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"