عادي

كندا.. «ورطة» في تكريم نازي

23:05 مساء
قراءة 4 دقائق
النازي هونكا خلال تكريمه

كتب: بنيمين زرزور

أثارت حادثة استضافة ياروسلاف هونكا، المحارب النازي القديم، في برلمان كندا تفاعلات سياسية أعادت إلى الأذهان تحالف قوى اليمين الغربية وسعيها للتشبث بما بقي لها من هيمنة على القوى الكبرى في الغرب أملاً في استمرار استنزاف خيرات العالم.

قدم رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، اعتذاراً باسم مجلس العموم الكندي عن تكريم النازي الأوكراني الأصل، الجمعة الماضية، واصفاً التكريم بأنه «خطأ فادح». وقال ترودو، في خطاب أمام مجلس العموم: «باسمنا جميعاً في مجلس العموم أود التقدم باعتذار صريح عما حدث للشعب الكندي، وللرئيس فلوديمير زيلينسكي والوفد الأوكراني على الموقف الذي وجدوا أنفسهم فيه».

وأضاف: «بالنسبة لنا جميعاً، نحن الحاضرين، فإن تكريمنا هذا الشخص دون دراية كافية كان خطأ فادحاً، وانتهاكاً لذكرى أولئك الذين عانوا بشدة على يد النظام النازي. ما حدث كان شائناً جداً، ليس فقط لأعضاء البرلمان وإنما لكندا. إننا نساند أوكرانيا بقوة وسنواصل إمدادها بالمساعدات العسكرية والإنسانية والمالية والدبلوماسية».

تكريم على شرف زيلينسكي

وكان ياروسلاف هونكا البالغ من العمر 98 عاماً، قد دعي لحضور اجتماع للبرلمان الكندي على شرف زيارة فلاديمير زيلينسكي، في الثاني والعشرين من سبتمبر/ أيلول الماضي، حيث قدمه رئيس مجلس العموم الكندي، أنتوني روتا بوصفه «محارباً» ضد الروس، من أجل استقلال أوكرانيا خلال الحرب العالمية الثانية.

وتبين لاحقاً أن هونكا كان عضواً في فرقة المتطوعين الرابعة عشرة التابعة لوحدات «إس إس» التابعة للحزب النازي الألماني، والتي لم تكن تقاتل الجيش الأحمر في روسيا وحسب، بل اشتهرت أيضاً بارتكاب فظائع ضد اليهود، والبولنديين، والبيلاروس، والسلوفاك.

وأعلنت وزارة الخارجية الروسية، في وقت سابق، أن روسيا لن تتصالح مع مغازلة الليبراليين الكنديين للنازية، وسوف تتخذ الخطوات اللازمة في سياق العلاقات الروسية الكندية.

وأعلن رئيس مجلس العموم الكندي استقالته وقال: «بقلب حزين، أبلغ أعضاء البرلمان باستقالتي من منصب رئيس مجلس العموم». وحمّل مكتب رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، روتا، مسؤولية دعوة النازي هونكا إلى برلمان البلاد.

واعتذر روتا في وقت سابق عن دعوة النازي الأوكراني زاعماً أنه اتخذ القرار بدعوة هونكا إلى البرلمان بشكل شخصي.

وكان مجلس العموم الكندي (المجلس الأدنى في البرلمان) قد دعا المحارب السابق في الفرقة ال14 التي انتشرت في«غاليسيا»، الإقليم الذي لم يكن حتى عام 1945 جزءاً من أوكرانيا الروسية، لحضور جلسة البرلمان المكرسة لزيارة زيلينسكي.

مناضل في سبيل الاستقلال!!

وتم تقديم المحارب السابق في القوات النازية على أنه «المناضل في سبيل استقلال أوكرانيا عن الروس في فترة الحرب العالمية الثانية»، وبادره النواب ورئيس وزراء كندا جاستين ترودو والرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي بالتصفيق.

وأثارت الفضيحة النازية غضباً شعبياً فجرته أحزاب المعارضة الكندية التي تعارض استقبال هونكا، ويعتقد المعارضون بشكل عام أن استقالة روتا ليست كافية لتهدئة الرأي العام، ولكنها مجرد محاولة لتحمل المسؤولية نيابة عن حكومة ترودو.

وكان زيلينسكي ذهب إلى كندا بعد زيارته للولايات المتحدة للقاء ترودو. ومع ذلك، لم يتوقع أحد أنه من أجل خلق جو «معاد لروسيا» لاحتضان زيلينسكي أن «ينبش» البرلمان الكندي الماضي ويستضيف محاربا أوكرانيا قديما خدم في قوات الأمن الخاصة النازية.

دعوات للمحاكمة

وبعد الكشف عن الفضيحة، سارع العديد من الدول التي تعرضت للإساءة من قبل النازيين لإدانة كندا. حتى أن بولندا أعلنت على الفور أنها ستطلب من كندا تسليم المحارب النازي القديم ومحاكمته.

وأصدر مركز سيمون فيزنثال الأمريكي، وهو مؤسسة متخصصة في متابعة أبحاث الهولوكوست النازية، بياناً قال فيه إن الفرقة الجاليكية التي خدم فيها هونكا كانت مسؤولة عن مذبحة فظيعة بحق المدنيين الأبرياء، وأن مدى قسوتها ووحشيتها لا يمكن تصوره. ويجب على البرلمان الكندي أن يعتذر لكل ناج من المحرقة وقدامى المحاربين في الحرب العالمية الثانية الذين حاربوا النازيين، وأن يوضح كيف وجد ياروسلاف هونكا طريقه إلى قاعات البرلمان الكندي.

وعلى الرغم من أن ترودو قد ادعى سابقاً أن حادثة المحاربين القدامى النازيين الأوكرانيين تشكل إحراجاً لجميع الكنديين، فإنه يبدو أنه رفض تحمل المسؤولية عن الحادث من البداية إلى النهاية، بل ذكر أنه لا يعرف سبب دعوة رئيس مجلس النواب روتا للمحاربين القدامى النازيين إلى البرلمان الكندي.

ولكن هل هذا هو الحال فعلاً؟ نشير هنا إلى أن الأخبار التي نشرتها حفيدة هونكا على وسائل التواصل الاجتماعي كانت بمنزلة صفعة على وجه ترودو. ووفقاً لما نشرته الحفيدة كان من المقرر أن يجتمع ترودو وزيلينسكي مع جدها يوم 22 سبتمبر/ أيلول، ما يعني أن ترودو لن يعرف أي شيء عن هوية هونكا أبداً.

إضافة إلى ذلك، قال ترودو إن كل شيء كان مجرد لقاء مجاملة، ولكن بعد الكشف عن صورة روتا بوصفه محارباً نازياً قديماً تم أيضاً الكشف عن مدى عدم صحة ذلك.

إن انتشار الشعبوية في أوكرانيا أمر تدركه الدول الغربية ضمناً، ففي ظل غسيل الدماغ النيوليبرالي، لم تتردد أوكرانيا في إزالة التماثيل التي ترمز إلى تاريخ الحرب العالمية الثانية والاتحاد السوفييتي، حتى من أجل «تصفية العلاقات» مع روسيا، بل حاولت تغيير «التاريخ». ومع ذلك، فقد قامت هذه المجموعة من السياسيين الكنديين الآن بدفع المحاربين النازيين القدامى بشكل مباشر إلى الواجهة، وهو ما يعادل في الأساس تأكيد الهوية النازية الجديدة في أوكرانيا.

الأمر المؤكد هو أنه على الرغم من إعلان رئيس مجلس النواب روتا استقالته فإن معظم غضب الرأي العام لم يتبدد، أو بمعنى آخر لم يقدم ترودو بعد تفسيراً مقنعاً لهذه الفضيحة.

والحقيقة أن مرور ما يقرب من ثمانين عاماً لا يعفي البرلمانيين والمسؤولين الحكوميين الكنديين أو يبرر تصرفاتهم. إنه يجعل الأمر أكثر خطورة. كما أن حقيقة حدوث ذلك في كندا تساعد على إظهار خطورة الوضع الحالي في «الغرب الجماعي»، والحالة الراهنة من الانحطاط الشديد للقيم الأخلاقية والذاكرة التاريخية والهوية الجماعية في هذه البلدان التي تسمي نفسها معاقل للديمقراطية والحرية في العالم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3edcp4pc

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"