الكتب الطاردة

00:16 صباحا
الصورة
صحيفة الخليج

د. حسن مدن

مثلما توجد كتب يمكن أن نطلق عليها «الكتب الجاذبة»، فإن هناك كتباً أخرى يصح أن نصفها ب «الكتب الطاردة». الأولى تثير اهتمامنا وتبعث على متعتنا ونحن نقرأها ونلج عوالم كتّابها، فيما الثانية تترك في نفوسنا الأثر النقيض؛ تُنفرنا منها، وتئد الرغبة لدينا في مواصلة قراءتها، حتى لو كانت عناوينها، وربما أسماء مؤلفيها، قد لفتت أنظارنا في البداية وحملتنا على محاولة قراءتها.

سأتحدث هنا عن جانب من تجربتي المتواضعة في تلقي النوع الثاني، أي الكتب الطاردة، باعتبار أن الكتب الجاذبة يكفيها الوصف الذي أطلقناه عليها، فهي تجذبنا جذباً إلى عوالمها، لذا لن نطيل حولها الحديث، ومن واقع تجربة قريبة سأتحدث، فكعادتي في السفر بالطائرة أحرص على أن يكون بين يديّ كتاب أسعى لتجزية وقت الرحلة في القراءة فيه، واعتدت أيضاً أن أحرص على أن يكون هذا الكتاب رواية قصيرة أو مجموعة قصصية، وفي حال امتدت رحلة الطيران بضع ساعات بوسعي أن انتهي من قراءة الرواية أو على الأقل جزء كبير منها، كونها، كما أشرنا، قصيرة، والحال نفسها تنطبق على الكتاب إذا كان مجموعة قصصية.

في آخر سفرة لي أخذت معي إحدى الروايات لاقرأها، وما إن أعلن فريق الطائرة الاستعداد للطيران، داعياً إلى إغلاق الهواتف النقالة وما إليها، حتى فتحت أولى صفحات الرواية، ومنذ البداية شعرت بالتعثر في قراءتها: لغة معقدة، جافة، تراكيب غير موفقة للعبارات وأشياء سلبية أخرى. ولكونها رواية مترجمة إلى العربية من اللغة الفرنسية قلتُ لنفسي: لعل الأمر عائد إلى سوء الترجمة، وعدم تمكن المترجم، وهو ما أكاد أجزم به، لكن التجربة علمتنا أيضاً أن نجد في شخصيات وأحداث الرواية المترجمة ما يعزينا عن سوء ترجمتها، وهذا ما لم أشعر به في هذه الرواية، وأنا أواصل قراءة الصفحات فيها.

مضى بعض الوقت وأنا أقرأ فيها حتى وصلت إلى صفحة وجدت فيها خطاً بالقلم تحت أحد سطورها. حرت في الأمر حينها، فما أنا متأكد منه هو أني من اقتنى هذه الرواية من مكتبة أو معرض كتاب ولم أستعرها من أحدهم، يكون قد قرأها وراقت له تلك العبارة، كما أني لم أعرها لأحد ليفعل ذلك، وبعد مسعى للتذكر فطنت إلى أنني من «خطّ سطراً ونسي»، لو أردنا التناص مع بيت الشعر العربي الجميل «خطّ سطراً في الهوى ومحا»، ولحظتها أدركت أنها ليست المرة الأولى التي حاولت أن أقرأ فيها هذه الرواية، فطردتني أو طردتها، ولكن لأنه ليس فيها ما يشدّ فإني نسيت حتى المحاولة الفاشلة لقراءتي لها سابقاً.

madanbahrain@gmail.com

عن الكاتب:
كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".