الزيادة في تكاليف رأس المال.. إحدى المشكلات المهمة

21:13 مساء
قراءة 4 دقائق

بيتر جارنري *

تسببت مكافحة ارتفاع معدلات التضخم في زيادة تكاليف رأس المال إلى مستويات أحدثت مشاكل كبيرة في الاقتصاد العالمي. في الوقت نفسه، بدأت الدورة المالية الأمريكية في التحول، ما قد يدفع الاقتصاد نحو بيئة ركود تضخمي خفيفة. وسيكون هذا سيئاً للأسهم الدورية، حيث تحمل الأسهم المرتبطة بالذكاء الاصطناعي أعلى المخاطر في مثل هذا السيناريو. كما سلّط ارتفاع تكلفة رأس المال الضوء أيضاً على التحديات التي تواجه عملية التحول إلى الاقتصاد الأخضر، والذي يُحتمل أن يكون واحداً من أكبر العوامل التي تساهم في انخفاض أسعار الفائدة، حيث إن جهود التخلص من الانبعاثات الكربونية ستنجح بشكل أكبر في بيئة اقتصادية تنخفض فيها معدلات الفائدة.

منذ يوليو 2022، قدم الحافز المالي الأمريكي 5% من النقاط إلى الناتج المحلي الإجمالي أو ما يقرب من تريليون دولار في الإنفاق الإضافي من قبل حكومة الولايات المتحدة من خلال مختلف برامج الإنفاق من إدارة بايدن، مثل قانون أشباه الموصلات والعلوم، وقانون خفض التضخم. وقد عوّضت هذه الزيادة في الإنفاق الدافع السلبي الناتج عن ارتفاع أسعار الفائدة، وأحبطت بشكل أساسي احتمالية حدوث ركود اقتصادي هذا العام. تم تطبيق الحافز الكبير المالي وسط تقديرات بأن الاقتصاد الأمريكي كان يعمل في ظل فجوة إنتاجية ضئيلة وديناميكيات سوق عمل متشددة، ما يزيد من الضغوط التضخمية التي تجبر بنك الاحتياطي الفيدرالي على تشديد السياسة النقدية أكثر من أي شيء آخر.

مع احتمالية تحول الدورة المالية الأمريكية من إيجابية إلى سلبية، سيبدأ الاقتصاد الأمريكي في التباطؤ، في حين يعاني كل من أوروبا والصين نمواً اقتصادياً ضعيفاً. يضع هذا الأمر العالم في مواجهة بيئة محتملة من الركود التضخمي، حيث يتباطأ النمو الاقتصادي الحقيقي في حين تبقى معدلات التضخم عالية بشكل كبير مقارنة بالمتوسط التاريخي. تعتبر أشهر الصيف لعام 2022 آخر مرة خشي العالم فيها من ظاهرة الركود التضخمي، ولكن يمكن أن تعود هذه المخاوف بسرعة وتطارد أسواق الأسهم.

إذا كان الاقتصاد يدخل بيئة ركود تضخمي خفيفة فإن الهاجس الرئيسي للمستثمرين هو كيفية تأثر أسواق الأسهم. وبالنظر إلى الدليل التاريخي، فإن ذلك سيكون له تأثير سلبي في عوائد الأسهم، واستناداً إلى مجموعة البيانات المحدودة للقطاعات منذ عام 1989، تشير البيانات إلى أن أفضل القطاعات خلال حالات الركود التضخمي هي القطاعات الدفاعية مثل الرعاية الصحية، والسلع الاستهلاكية، والخدمات العامة، والطاقة. أما عن القطاعات التي عادة ما تتأثر سلباً عندما يتباطأ النمو الاقتصادي وتزيد حالة التضخم أو البطالة فهي العقارات، والمالية، وتكنولوجيا المعلومات. ويشكل قطاع تكنولوجيا المعلومات حالة مثيرة للاهتمام بشكل خاص، نظراً للمكاسب التي حققتها أسهم التكنولوجيا هذا العام والتعرض الزائد لأسهم التكنولوجيا بين العديد من المستثمرين.

وتزداد نسبة الحذر في توقعاتنا لأنه على الرغم من وجود علامات واضحة على تأثر الاقتصاد العالمي بارتفاع أسعار الفائدة، فإن الأسهم قد ارتفعت إلى مستويات التقييم التي تبلغ نحو انحراف معياري واحد فوق المتوسط ​​طويل الأمد منذ عام 1995. وهذا يقلل بشكل طبيعي من نسبة المخاطرة إلى المكافأة على المدى الطويل في الأسهم.

كما ذكرنا سابقاً، فإن الأسعار الحقيقية للفائدة مرتفعة جداً بحيث لا تدعم التحول إلى الاقتصاد الأخضر، وتكاليف المعيشة المقبولة لمشتري المنازل الجدد، والمستهلكين ذوي معدلات الادخار المنخفضة الذين يستخدمون بطاقات الائتمان. وقد أدى ارتفاع أسعار الفائدة وارتفاع أسعار السلع الأساسية إلى تغيير جذري في الافتراضات الكامنة وراء توليد طاقة الرياح البحرية، والتي كان يُنظر إليها على أنها واحدة من مصادر الطاقة الرئيسية لتحقيق التحول إلى الاقتصاد الأخضر، حيث تم التفاوض على العديد من مشاريع توليد طاقة الرياح البحرية الموجودة على المخطط العالمي على افتراضات تتعلق بأسعار فائدة منخفضة بشكل دائم ومعادن صناعية رخيصة.

ومع تغير العالم بشكل جذري بعد الجائحة وأزمة أوكرانيا لم تعد هذه المشاريع قابلة للتحقيق بعد الآن، ما أجبر شركة «أورستيد»، وهي أكبر مطور لتوليد طاقة الرياح البحرية في العالم، على تحمل خسائر كبيرة. وقد واجهت «سيمنز للطاقة» مشاكل في تصميمات أجهزتها الخاصة في توليد الطاقة من الرياح، ما أدى إلى تحملها تكاليف كبيرة، وشهدت «فيستاس»، أكبر شركة مصنعة لأجهزة توليد الطاقة من الرياح في العالم، تراجعاً في أعمالها. ومع ذلك تضرر العديد من العوامل المتعلقة بالتحول إلى الاقتصاد الأخضر بسبب التغيرات في المشهد. أما أسوأ المواضيع أداءً خلال العام الماضي فهي الطاقة المتجددة، والتحول الأخضر، وتخزين الطاقة.

تشير الأبحاث حول دور التكاليف الرأسمالية في تحسين قطاع الكهرباء من خلال تقليل الانبعاثات الكربونية إلى أن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح هما أكثر مصادر الطاقة حساسية لارتفاع تكاليف رأس المال، حيث تمتلك هذه المصادر حصة أكبر من الاستثمارات الأولية كنسبة من التكاليف الإجمالية. ويلي مصدري الطاقة السابق ذكرهما الطاقة النووية والفحم مع تخزين الكربون. وأما مصدر الكهرباء الأقل حساسية لزيادة تكاليف رأس المال فهو الغاز الطبيعي، وبالتالي فإن ارتفاع تكلفة رأس المال يحفز حرق الوقود الأحفوري بشكل عام إذا كان أدنى تكلفة هامشية للطاقة هو الهدف. وفيما يتعلق بالطاقة المتجددة، تكون تكاليف رأس المال المرتفعة داعمة للطاقة النووية، التي شهدت تغييراً كاملاً للأنماط السائدة، حيث يدرك صانعو السياسات تدريجياً أن الطاقة النووية ستكون مفتاحاً لتقليل الانبعاثات الكربونية في الاقتصاد العالمي على المدى القصير. ومع مرور الوقت، ستزداد الضغوطات لخفض أسعار الفائدة من أجل تحقيق التحول الأخضر.

لقد تأثر التحول إلى الاقتصاد الأخضر بارتفاع تكلفة رأس المال، ولكن ما زاد الأمور سوءاً هو أن تدفق السيارات الكهربائية الصينية الرخيصة دفع المركبات الكهربائية إلى لعبة التجزئة التي كتبنا عنها في توقعاتنا للربع الثاني. تعد الشرائح الإلكترونية جزءاً من الاحتدام الجيوسياسي بين الولايات المتحدة والصين، ويبدو الآن أن السيارات الكهربائية ستمثل احتداماً جيوسياسياً بين أوروبا والصين. ومع استمرار هذا الانقسام في العالم يصبح التحول إلى الاقتصاد الأخضر أمراً مستحيلاً ما لم تنخفض العوائد الحقيقية للسندات.

* رئيس استراتيجية الأسهم في «ساكسو بنك»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5c5sp3nt

عن الكاتب

رئيس استراتيجيات الأسهم لدى ساكسو بنك

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"