متغيرات في النظام الدولي الجديد

00:20 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ناجي صادق شراب*

يتنبأ الكاتب الفريد ماكوي في كتابه «التحكم في العالم» بتراجع وزوال التفرد الأمريكي مع صعود قوى إقليمية ودولية جديدة تتحكم كل منها في منطقة نفوذها. ومن قبله كتب فريد زكريا في كتابه «عالم ما بعد أمريكا» أن العولمة قد فتحت مجالات لقوى أخرى مثل الصين والهند والبرازيل، وهذه التحولات ستفرض العودة للتعددية القطبية التي ستعترف بها أمريكا. والكل يؤكد تراجع الأحادية الأمريكية لأسباب تتعلق بالولايات المتحدة اقتصادية وسياسية واستراتيجية، ولأسباب تتعلق بتغير بنية وهيكل القوة العالمي.

والفرضية الأساسية هنا أن التحول في النظام الدولي يعتمد على قدرة الولايات المتحدة في الحفاظ على قدراتها وقوتها، خصوصاً أن هذه القوة الأحادية تواجه اليوم تحديات اقتصادية كبيرة تتمثل في الركود والتضخم ومشاكل اجتماعية بتعرض نسيجها الاجتماعي للتفكك، وبروز تيارات الشعبوية وعنصرية واستقطاب حزبي والذهاب للمطالبة بتغيير بنية ومؤسسات النظام السياسي. وكما يقول ريتشارد هاس إن روسيا تشكل تحدياً على المدى القريب، وأما الصين فتشكل تحديات أكثر خطورة على المدى المتوسط والبعيد. وهو ما يعنى تغيراً وتحولات في بنية القوة العالمية وانتشارها. وكما تقول جيسيكا تشي ويسي أستاذة دراسات الصين وآسيا في جامعة كورنيل إن معاكسة جهود الصين في العالم من دون تقدير لما تريده الحكومات المحلية والمجتمعات هي فخ، وفي السعي إلى إخراج الصين، فإن أمريكا قد تدمر القوة وتعمي الرؤية التي يجب أن تكون أساس استمرارية القيادة الأمريكية. ويضيف اليوت كوهين وهو خبير استراتيجي أن الحرب في أوكرانيا أربكت العمل باستراتيجية أمريكية عظمى أساسها العداء للصين.

أما البروفيسور جون ميرشيمر، فيرى أن أمريكا قد أخطأت بعد سقوط الاتحاد السوفييتي في استمرار الانخراط مع الصين بدلاً من الاحتواء وإبطاء الصعود، فالصين اليوم أصبحت قوة عظمى في العديد من المجالات. ولا شك أن الحرب الأوكرانية خدمت الصين من عدة نواحٍ ببناء شراكات استراتيجية مع العديد من القوى كما نرى عربياً وفي القمة الصينية العربية الأخيرة. ويرى شولتونغ أن عالماً ثنائي القطبية بين أمريكا والصين لن يكون عالماً على حافة الحرب، فالرهان سيكون على التواصل الاقتصادي الكبير بين الدولتين.

وفي سياق هذه المتغيرات يمكن القول إن النظام الدولي القائم على الأحادية الأمريكية لم يعد صالحاً للنظام الدولي بسبب السياسات الأمريكية التي تفتقد التأثير الكوني وعدم القدرة على مواجهة التحديات الدولية الجديدة.

ولعل من من مظاهر هذه التحولات الدعوة إلى إصلاح الأمم المتحدة ومجلس الأمن وهي نتاج للقطبية الثنائية التي سادت من بعد الحرب الثانية حتى سقوط الاتحاد السوفييتي في أوائل تسعينات القرن الماضي، فالعالم اليوم في حاجة لنظام دولي جديد تحكمه التعددية القطبية التي تمنح كافة الدولة هامشاً واسعاً من الحراك الدولي والمساهمة والمشاركة في صنع القرار الدولي، وعالم تتراجع فيه النزاعات الدولية لحساب السلام، وزيادة قدرة الأمم المتحدة على حل وإدارة النزاعات الدولية.

العالم اليوم في مرحلة التحول من الأحادية إلى التعددية، لأن المرحلة الحالية تسودها حالة من الفوضى الدولية والمنافسة الشديدة بين أبرز قوتين دوليتين هما الصين وأمريكا. وفي عدم القدرة على حسم الحرب الأوكرانية واستمرارها الذي يهدد بنية القوة الأحادية. ومن صورها أيضاً بروز ما يعرف بالحرب الباردة الجديدة. وهنا ينبغي الإشارة إلى أن عملية التحول في بنية القوة الدولية تختلف في متغيراتها ومحدداتها عن تلك التي سادت العالم بعد الحرب الثانية وفي مرحلة سقوط الاتحاد السوفييتي وسيادة مرحلة الأحادية.

واليوم هناك منافسات وتداخلات اقتصادية شائكة بين الفواعل الرئيسية، والمنافسات تأخذ أشكالاً جديدة من خلال ظهور التحالفات الدولية الجديدة التي تقودها كل من الولايات المتحدة من ناحية والصين وروسيا من ناحية أخرى. وعملية التحول هذه قد تستغرق وقتاً أطول وترتبط بصورة أو بأخرى بتحولات القوة في بنية القوة الأحادية، فبقدر تراجع القوة الأمريكية بقدر الإسراع في عملية الوصول لمرحلة التعددية القطبية وإقرارها رسمياً، لكنها، في هذه المرحلة ستكون قطبية متعددة في مستوياتها الإقليمية والدولية.

*[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5p9zda2x

عن الكاتب

أكاديمى وباحث فلسطيني في العلوم السياسية متحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتخصص في الشأن السياسى الفلسطيني والخليجي و"الإسرائيلي". وفي رصيده عدد من المؤلفات السياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"