التنمية والسلام في المنظومات الإقليمية

00:38 صباحا
قراءة دقيقتين

حسام ميرو

يتأكد يوماً بعد يوم، أن لا مفرّ من الاعتبارات الجيوسياسية في عمليات التنمية، إذ تفرض هذه الاعتبارات نفسها على الدول، ما يجعل من التوجهات الأساسية للمنظومات الإقليمية اللاعب الأساس في تقرير مصير المجتمعات والدول، فإذا كانت تلك التوجهات تتفاعل في إنتاج بيئة مستقرة، فإنها تساعد على إحداث ديناميات تنموية داخل الدول، أو على الأقل تجعل من التنمية هدفاً ممكناً، لكن هذه الجدلية بين السلام والتنمية، والتي تظهر في أحد أوجهها كبدهية سياسية، هي في الواقع أعقد بكثير، إذ لا يمكن توقّع غياب عمليات التصادم، أو التنافس بين الدول في المنظومة الإقليمية الواحدة.

لكن أيضاً، لكل منظومة إقليمية خصائص تميّزها عن غيرها، إذ تلعب العديد من العوامل، بما فيها التكوّن التاريخي للدول، دوراً في تحديد أزمات ومشكلات وتحدّيات كل منظومة على حدة، بل ربما تتحوّل بعض تلك الأزمات إلى ما يشبه المأزق الذي يصعب تجاوزه، بحيث يصبح هو الحالة السائدة/ المعرقلة، من دون أن تتمكّن السياسات المتعاقبة للحكومات من تجاوزه.

في منطقة الشرق الأوسط، بقيت أزمات الجغرافيا السياسية، والتكوّن التاريخي للدول، خصوصاً بفعل اتفاق «سايكس- بيكو»، فاعلة ومستهلكة للموارد والطاقات، بل إنها تعود للانفجار في كل بضع سنوات، بطريقة أشدّ ربما من سابقاتها، وهو ما نشهد الآن أحد فصوله المتجدّدة في الأراضي الفلسطينية.

السلام بالمعنى المنظوماتي، أي وجود قبول وتوافق عام للسلام لدى كل الأطراف، خصوصاً القوى الأساسية الفاعلة في كل منظومة إقليمية، يتطلب تحقيق حدّ معقول من مصالح هذه القوى، وتصوّر عام لمعنى السياسة، والانخراط الإيجابي والفعال في المنظومتين الأكبر، سوق العمل الدولي، والعلاقات الدولية الفاعلة.

واحدة من مشكلات منظومة الشرق الأوسط، تكمن في التطور غير المتكافئ بين الدول، حيث البنى الاقتصادية الموجودة، في الأعم الأغلب، غير منخرطة بطريقة إيجابية وفعالة في منظومة سوق العمل الدولي، ولذلك، فإن إنتاج السياسات الوطنية/ المحلية، أو السياسات البينية، لا يخضع، بالدرجة ذاتها، في كل دولة، لمتطلبات وقيم الإنتاج في سوق العمل الدولي.

في ظل هذا الوضع الشائك والسلبي، تتراجع مكانة التنمية، فسلّم الأولويات تتّجه بوصلته نحو حقول أخرى، خصوصاً إلى حقلَي الأمن والدفاع، وهما حقلان، على الرغم من أهميتهما، إلا أنهما يتحوّلان إلى غاية مستقلة بحدّ ذاتها، بدلاً من أن يكونا نتيجة طبيعية لارتفاع مستوى تحقّق المصالح البينية ضمن المنظومة الإقليمية، وقد شاهدنا، خلال السنوات الماضية، كيف تراجعت عمليات التنمية، وما يرافقها من ازدهار اقتصادي، في بعض دول المنطقة، نتيجة تغيير اتجاه البوصلة، نحو حقلي الأمن والدفاع.

ويأخذ تناقص فرص السلام داخل المنظومة الشرق أوسطية، في المرحلة الراهنة، شكلين حدّيين، أولهما في داخل بعض الدول التي غرقت في اضطرابات وحروب أهلية، أو تعاني من وصولها إلى حالة الدولة الفاشلة، أما الشكل الثاني، فهو مرتبط بزيادة فرص الحرب البينية بين الدول، وإلى جانب هذين الشكلين، هناك تنامٍ لدور القوى العسكرية غير النظامية، التي أصبحت جزءاً من حالة الصراع بالوكالة بين دول لا ترغب في خوض حرب مباشرة فيما بينها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3tyuws48

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"