الاستشراف الاستراتيجي وجودة القرارات

00:53 صباحا
قراءة دقيقتين

د. إدريس لكريني

ترتبط عملية صناعة القرار باختيار الممكن من بين بدائل عدة متاحة، في سياق تلبية حاجة، أو تدبير قضية، أو أزمة ما، بغض النظر عن طبيعتها، وما إذا كانت اقتصادية، أو اجتماعية، أو سياسية..

وهي تتدرج بين تحديد المشكلة، أو الحاجة المطروحة، ورصد الهدف، أو الأهداف المنشودة من العملية، واختيار البديل الملائم للحالة، بعد العمل على تقييم فعاليته وانعكاساته المحتملة، وأخيراً، تنفيذ الخيار ومواكبة تطبيقاته ميدانياً.

وتختلف هذه العملية من نظام سياسي إلى آخر، ومن منظمة إلى أخرى، وبحسب الضوابط والسياقات التي ترافقها، سواء مركزية أو تشاركية، وما إذا كان الأمر يتعلق بظروف عادية، أو تحت ضغط الأزمات والكوارث.

تتركز جودة القرار بشكل عام في قدرته على تلبية الحاجات المطروحة بشكل ناجع وفاعل، وباعتماد الخيارات بمنطق الربح والخسارة، واستحضار متطلبات الحاضر والمستقبل.

وثمة الكثير من العوامل والمحددات التي تضمن الجودة في اتخاذ القرار، والتي يمكن إجمالها في كفاءة العنصر البشري، واستراتيجية العمل، والضوابط الإدارية والقانونية التي تتحكم في هذه العملية، علاوة على حسن توظيف الإمكانات المالية والتقنية المتوافرة في إطار من الحوكمة، ثم الاستجابة بشكل جيد للحاجات المطروحة.

لا تخلو عملية صنع القرار من صعوبات متصلة بسوء التقدير، والتردّد، والتسرع، وعدم الثقة بالنفس، وتضارب المعلومات المتاحة، ووجود تداخل في المهام والمسؤوليات، وتعدد الخيارات بشكل مبالغ فيه، وتصبح هذه المهمة أكثر تعقيداً خلال فترات الأزمات والكوارث، ذلك أن الضغط الذي تخلفه هذه اللحظات؛ وما يتبعها من هلع وترقب، تفرض على صانعي القرار الموازنة بين اعتماد قرارات صارمة ومناسبة، من جهة، وفي وقت قياسي ضمن سباق مع الزمن؛ لمنع خروج الأمور عن التحكم والسيطرة، من جهة أخرى.

ولا تخفى أهمية الاستشراف الاستراتيجي أيضاً في تجويد عملية اتخاذ القرار، سواء في اللحظات العادية، أو الضاغطة، فهو أسلوب عمل يقوم على استحضار المستقبل، ويدعم العملية ويعطيها نجاعة أكبر في تحقيق الأهداف المرجوة، تتجاوز التدبير الآني إلى الاستشراف، بناء على فرضيات وخيارات مطلوبة وقابلة للتطبيق.

ولا يمكن للقرارات أن تفي بالأغراض التي تصدر من أجلها، طالما يتم تغييب أسلوب الاستشراف الاستراتيجي.

وكثيراً ما خلفت القرارات (الاقتصادية والسياسية والأمنية) الارتجالية والمزاجية المعتمدة على الصعيدين، الداخلي والخارجي، في عدد من دول المنطقة العربية، انعكاسات خطرة كلّفت هذه الدول هدر العديد من الطاقات والإمكانات والفرص، ما جعلها تؤثر سلباً في عجلة التنمية، وفي مسيرة الإصلاحات السياسية، بل وأسهمت من جانبها في تردّي النظام الإقليمي العربي.

وينطوي توظيف الاستشراف الاستراتيجي كأسلوب علمي وعقلاني ضمن عملية صنع القرار، على أهمية أكبر في السياق العربي، في ظل واقع اجتماعي واقتصادي وسياسي وأمني صعب، تعيش على إيقاعه الكثير من البلدان، وفي ظل تصاعد الأزمات والمخاطر العابرة للحدود، وتصاعد التدخلات الأجنبية في المنطقة.

إن اتخاذ قرارات استراتيجية في مستوى هذه التحديات، سيسمح لدول المنطقة حتماً؛ بتحويل الإمكانات المتاحة إلى فرص واعدة تدعم تحقيق التنمية، وكسب رهانات التكتل والتنافس في عالم متغير.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3v58rpm7

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"