في الديمقراطية والحكم الرشيد

00:32 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ناجى صادق شراب

باستقراء تطور أنظمة الحكم والبحث عن النظام المثالي يمكن الخروج بنتيجة حتمية أنه لا وجود لنظام مثالي للحكم، لأن مثالية الحكم تقاس بقدرته على تجسيد بيئته، ومتغيراتها المتطورة، وقدرته على التكيف معها واستجابته، والقيام بالوظائف الأساسية التي يقوم بها النظام السياسي. وهذه الوظائف تتلخص على مستوى الحكم والسلطة، وهي ثلاث وظائف أساسية: وظيفة صنع القاعدة بصنع القرارات والسياسات العامة، ووظيفة تنفيذ القاعدة وهي وظيفة السلطة التنفيذية، ووظيفة تطبيق القاعدة أي وظيفة السلطة القضائية، وهذه الوظيفة تحتاج إلى توفر الكفاءة والقدرة والرشادة.

وفي المقابل، هناك وظائف على مستوى المجتمع وتتمثل في التنشئة والتربية وبناء المواطنة والمشاركة، والتمكين والتواصل الاجتماعي.

هذه الوظائف لا تعمل في الفضاء، بل تحتاج لقدرات، أهمها: القدرة الاستخراجية المتعلقة بالموارد وتنميتها، سواء القدرات الاقتصادية، أو البشرية والقدرة التنظيمية المتعلقة بالمنظومة القانونية، والقدرة الرمزية المتعلقة بالقيم الوطنية والمواطنة والوطن، والقدرة على الاستجابة للاحتياجات والمطالب المادية والمعنوية.

هذه المعادلة هي التي تحدد معايير وجود الحكم المثالي. هنا السؤال ما هو نظام الحكم الأكثر قدرة وفعالية على الاستجابة لهذه الوظائف والقدرات؟ باستقراء أدبيات التنمية السياسية وتصنيف دول العالم ما بين أنظمة حكم متقدمة، وأخرى متخلفة، نجد أن أنظمة الحكم الديمقراطية والرشيدة تقع في الشريحة الأولى، وعندما نتكلم عن مثالية الحكم ورشده لا نتكلم عن جانب واحد فقط، بل عن شمولية نظام الحكم في الاستجابة المادية وحفظ الحقوق والمساواة والمشاركة، وسيادة منظومة الحقوق والمواطنة الواحدة.

إن الديمقراطية هي محصلة نضال الشعوب على مدى عقود طويلة من الزمن إلى أن توصلت بأن الديمقراطية هي النظام ألأفضل والأحسن لحكم الشعوب. وأقلها سوءاً مقارنة بالنظم الأخرى. والديمقراطية في أوسع معانيها هي نظام اجتماعي وسياسي، يؤكد قيمة الفرد وكرامته الشخصية، ويقوم على أساس مشاركة الجميع في إدارة شؤونهم.

ولعل أهم المقومات التي تقوم عليها المواطنة الواحدة هي المستندة إلى مبدأ الحقوق المتساوية. والديمقراطية لا تأتي من فراغ ولا تفرض من فوق بل تحتاج لثقافة، وهذا يتحقق من خلال أنظمة التعليم والتربية والتنشئة السليمة، ومن خلال بنية مجتمعية قوية بمؤسساتها المدنية والتي بتوفرها يتحقق مبدأ التوازن بين الدولة والمجتمع الذي يحول دون تغّول الدولة أوتغول المجتمع بجماعاته، كما نرى في الجماعات المتطرفة التي تسيطر على الحكم.

ورغم هذه المثالية النظرية، فالديمقراطية تواجه اليوم العديد من التحديات والمشاكل والقصور، كما نرى في الولايات المتحدة، والعديد من الدول الغربية. ولعل محاكمة الرئيس ترامب، وإن كانت تعمل في إطار الديمقراطية، لكنها تعكس الجانب الآخر السلبي المتمثل في الاتهامات بتزوير الانتخابات، وبروز تيار الترامبية، والشعبوية والعودة للقومية البيضاء، وفي الموقف من العديد من القضايا كقضايا اللاجئين.

ولعل أكبر انتقاد للديمقراطية بمنظورها الأمريكي والغربي أنها تقتصر على السياسات الداخلية، لكن في جانبها الخارجي تشجع على الديكتاتوريات وتتغاضى عن الكثير من ممارسات الحكم السلبية، وتمارس الازدواجية، وكمثال واضح، هو الموقف الأمريكي من سياسيات التمييز والاحتلال والعنف التي تمارسها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، والحيلولة دون قيام دولته. وهذا يعني أنه لا يوجد نظام عالمي مثالي.

ويبقى، أن نظام الحكم الرشيد الناجح هو الذي يملك الشرعية السياسية التي تفرضها بيئة المجتمع.. وتبقى إشكالية الحكم قضية إنسانية دائمة، يبحث الفلاسفة عن أفضلها، وأنجحها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2ca23k4k

عن الكاتب

أكاديمى وباحث فلسطيني في العلوم السياسية متحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتخصص في الشأن السياسى الفلسطيني والخليجي و"الإسرائيلي". وفي رصيده عدد من المؤلفات السياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"