ضمائر الشعوب

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

وليد عثمان

أي فهم بسيط للسياسات الغربية، خاصة الأمريكية، فيما يخص التعامل مع إسرائيل، يقود بسهولة إلى عدم الاستغراب من التصريحات الرسمية التي أتت من خارج المنطقة مناصرة لها، ومؤكدة حقها في الدفاع عن نفسها، بعد الهجوم المباغت الذي تعرضت له في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري.

ورأينا في الأيام الأولى التالية لهجوم «حماس» الذي شكّل صدمة لإسرائيل وبعض الدول، وسيكون محل مراجعة طويلة وقاسية في مجتمعها السياسي بعد أن تهدأ الحرب، كيف تقاطر أرفع المسؤولين في الولايات المتحدة ودول أوروبية إلى تل أبيب، لإعلان التضامن، وتأييد حق الرد فيما بدا ضوءاً أخضر لما نشهده اليوم في غزة.

صحيح أن الداعم الأبرز كان ولا يزال الولايات المتحدة، وشواهد ذلك لا تحتاج إلى تعداد، لكنّ زعماء أوروبيين نافسوها في مواساة إسرائيل، والنيل من حقوق الفلسطينيين في غزة، غير أن مجريات الرد الإسرائيلي بما أسفر، ويسفر عنه، من نسف لمعاني الحياة في القطاع، جعل بعضهم يتراجع خطوات على الأقل من جهة ضرورة إدخال المساعدات الإنسانية إلى سكان القطاع.

كل ذلك يمكن قراءته في ضوء التعامل الرسمي مع المسألة، وما تفرضه تطوراتها من تأرجح في المواقف لأي سبب، لكن اللافت هو التظاهرات الحاشدة التي ملأت شوارع عواصم غربية دعماً للفلسطينيين.

هذه التظاهرات خطفت الأنظار من مثيلاتها في بعض الشوارع العربية، ليس من حيث القيمة، فالثانية طبيعية، ولا تنفصل كثيراً عن الجهود الرسمية الساعية إلى وقف العدوان؛ بل إن حكومات عربية، وإسلامية أيضاً، هي التي رعت مثل هذه التحركات الشعبية في بداية الأزمة.

ما يلفت في امتلاء ساحات غربية بأصوات تدعم الفلسطينيين في غزة، هو مخالفته للمواقف السياسية لصنّاع القرار هناك، وتحديه لتحذيرات من عواقب التجمع. ربما احتاجت الشوارع الغربية أياماً للتحرر من سطوة الآلة الإعلامية التي هوّلت بعض تفاصيل هجوم «حماس»، وسوّغت أي رد إسرائيلي، لكن بعد ذلك استفاقت هذه الشوارع على مآسٍ إنسانية في القطاع، بعد أن أصبحت كل معاني الحياة فيه مستهدفة بالموت.

قد يستدعي التوقف أيضاً تفوق الحشود في شوارع بريطانيا على مثيلاتها في دول الغرب، ليصبح مهد «وعد بلفور» منطلقاً للهتاف بحق الفلسطينيين في الحياة، وألا يصبحوا ضحايا جولة جديدة من النزق السياسي أو عدم الحكمة عند أي طرف.

إن انتصار التفاصيل المرعبة لما يعيشه الفلسطينيون، ومنها مطاردة الموت لهم حتى في المستشفيات ودور العبادة، على أي انحياز إعلامي غربي، حرّك ضمائر شعوب بأكثر مما فعل في ساستها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc4xh8yj

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"