الأمن المائي العربي والتغيرات المناخية

00:22 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ناصر زيدان

برزت على هامش مناقشات المؤتمر العربي الرابع للمياه الذي نظمته جامعة الدول العربية في القاهرة مجموعة من الإشكاليات المرتبطة بالخيارات التقنية والسياسية، كما أكدت المناقشات الغنية بين الحاضرين من الوزراء والخبراء المختصين؛ الترابط بين ملفي المياه والتغيرات المناخية التي أصبحت جلية، ما حدا بالمشاركين إلى طلب رفع توصية مشتركة إلى مؤتمر المناخ الذي ستنظمه دولة الإمارات العربية المتحدة الشهر القادم، ترتكز على ضرورة تقيّد سياسات الدولة بالضوابط التي اتفقت عليها المؤتمرات الدولية ذات الصلة، لاسيما ما جاء في معاهدة باريس للمناخ لعام 2015.

المؤتمر الذي عقد برعاية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وافتتحه وزير المياه والري المصري الدكتور هاني سويلم في 29 تشرين الأول/أكتوبر المنصرم؛ ركز على المياه العابرة للحدود لأنها سند رئيسي لعدد من الدول، وهي مصدر مائي لا يمكن الاستغناء عنه، أو العثور عن بديل له، لاسيما في السودان ومصر والعراق وسوريا على وجه التحديد. ومقاربة سويلم ركزت على الأمن المائي المصري كونه يرتبط باستقرار جريان نهر النيل الذي يوفر ما يقارب 98 في المئة من حاجات المصريين، وأي اختلال طبيعي، أو إذا كان ناتج عن عوامل سياسية وبشرية، يشكل تهديداً وجودياً لأكثر من مئة مليون مواطن مصري، ليست لديهم القدرة على الاستمرار والعيش من دون مياه النيل.

بالمقابل كانت النوايا الإيجابية واضحة لدى المصريين، ولدى السودانيين، وعند غالبية الوفود العربية المشاركة في المؤتمر، لناحية التأكيد على أن لا تؤثر الحاجة إلى المياه عند الدول العربية المعنية بالعلاقات الودية مع الدول المحيطة، خصوصاً التي تنبع منها الأنهار المهمة التي تغذي دولاً عربية بالمياه العابرة، ومنها على وجه التحديد إثيوبيا وتركيا. إلا أن مشكلة جرّ إسرائيل لأكثر من ثلثي المياه الجوفية للضفة الغربية (600 مليون متر مكعب من أصل مجموع المخزون المقدر ب 800 مليون متر) مسألة غير مقبولة، ويجب أن تتوقف، لأن استهلاك المواطن الفلسطيني في الضفة يقدر ب 72 ليتراً في اليوم، وفي إسرائيل يتجاوز استهلاك الفرد 430 ليتراً، بينما المعدل العالمي المتوسط لاستهلاك الفرد يقدر ب 120 ليتراً يومياً.

المشاركون في المؤتمر العربي للمياه؛ أيدوا المفاوضات الجارية بين مصر والسودان من جهة، وإثيوبيا من جهة ثانية، للوصول إلى اتفاق رضائي حول تداعيات سد النهضة، وما يتفرع عنه من مخاطر، وهو ما ينتظر حصوله في الجولة الرابعة والأخيرة من المباحثات بين الأطراف الثلاثة في كانون الأول/ديسمبر القادم في أديس أبابا.

أما المشكلات الناتجة عن شحّ مصادر مياه نهري دجلة والفرات اللذين يغذيان العراق وسوريا بغالبية حاجتهم من المياه العذبة؛ فلا بد من التعاون لإيجاد حلول واقعية لها، وحجة دول منبع النهرين وروافدهما، لاسيما تركيا وإيران ليست مقنعة بما يكفي، لأن انخفاض جريان المياه فيهما الصيف المنصرم، كان أكثر من نسبة تناقص المتساقطات المطرية، واستثمارات الدولتين من مياه النهرين قبل وصوله لسوريا والعراق، أكثر مما هو مخصص لهما تاريخياً. وقد تمنى المؤتمرون على الدولتين الجارتين التعاون لحل هذه المعضلات، كي لا يزيد منسوب التوتر في المنطقة، ولأن جزءاً من أسباب النزوح من محيط النهرين كان بسبب النقص الواضح والكبير في المياه التي تصلهما في فصل الصيف، ومجموعات كبيرة من السكان في العراق وفي سوريا تعتمد في معيشتها على الزراعة المروية من النهرين، وعلى صيد الأسماك منهما.

الأمن القومي العربي مرتبط عضوياً بالأمن المائي. ولا بد من تطوير الاعتماد على التقنيات الحديثة في التعامل مع إدارة المياه، بما في ذلك وضع استثمارات أكبر في قطاع التكرير وإعادة الاستخدام للمياه، ومصر لها تجربة مهمة في هذا السياق، وهي تُعيد تدوير واستخدام ما يقارب 21 مليار متر مكعب من المياه المستعملة، كما أن تجارب الدول الخليجية في مجال تكرير مياه البحر؛ كانت ناجعة، ويمكن الاقتداء بها أيضاً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bddv6erk

عن الكاتب

دكتوراه في العلوم السياسية والقانون الدولي العام.. أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية.. له 10 مؤلفات وعشرات الأبحاث والمقالات والدراسات في الشؤون الدولية..

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"