ضريبة على وقود الطائرات

21:23 مساء
قراءة 4 دقائق

د. محمد الصياد*

في مزايدة استهدفت إقناع أعضاء البرلمان الأوروبي بتعيينه مفوضاً خاصاً بالمناخ للاتحاد الأوروبي، تعهد السياسي الهولندي وبكي هوكسترا، خلال جلسة استماع، «بحشد الدعم في جميع أنحاء العالم لفرض ضريبة عالمية على وقود الطائرات». إلى ما قبل اختياره يوم الأربعاء 4 أكتوبر 2023 لشغل هذا المنصب، كان المشرعون في لجنة البيئة في البرلمان الأوروبي، غير ميّالين لاختياره على أساس أنه فشل في إثبات دعمه لقضايا المناخ حين كان وزيراً في الحكومة الهولندية. لكنهم مع ذلك اختاروه، مع أنه قد لا يستمر في هذا المنصب بعد انتخابات الاتحاد الأوروبي في يونيو 2024.

في جلسة تقديم نفسه، زعم هوكسترا بأن فرض ضريبة على وقود الطائرات وأنواع الوقود الأحفوري الأخرى يمكن أن يوفر إيرادات موثوقة لصندوق الخسائر والأضرار الذي سيخصص بعد إنشائه لتعويض ضحايا الكوارث المناخية في البلدان النامية. وهذا لا يتطابق مع فشل الاتحاد الأوروبي نفسه في تأمين موافقة أعضائه على فرض ضرائب على وقود الطائرات داخلياً لزيادة إيرادات الدول الأعضاء، ناهيك عن عرض المقترح على البلدان النامية. ثم إن إقناع الدول الأخرى بإعادة التفاوض على اتفاقيات الطيران، لا يملك أي حظوظ تقريباً للنجاح.

حتى داخل الاتحاد الأوروبي نفسه، هناك قلة من الدول التي يمكن أن تدعم هذا المقترح، كهولندا مثلاً التي ضغطت من أجل فرض ضريبة على الطيران على مستوى الاتحاد الأوروبي، مقابل أغلبية لا تدعمه أو غير متحمسة له أو ترفضه كما فعلت كل من قبرص ومالطا، وهما دولتان جزريتان يعتمد اقتصادهما بشكل رئيسي على السياحة في تأمين إيرادات موازنتيهما.

حتى بربادوس، وهي إحدى الدول الجزرية التي يستخدمها الاتحاد الأوروبي لتمرير بعض مقترحاته ومبادراته المناخية، ومنها المقترح الأخير بفرض ضريبة على شركات الشحن البحري، أقرت بأن الدعوة لفرض ضرائب على الطيران، لم تصدر سوى عن عدد قليل جداً من الدول الأوروبية. ولم تلقَ هذه الدعوة أي صدى لدى الدول النامية وأمريكا. بل إن الأخيرة سلمت مؤخراً 25 مليار دولار من الأموال العامة للشركات التي تدير المطارات لمساعدتها على توسيع مرافقها وتحسينها. وانتقدت الصين هذا التوجه المناخي الأوروبي، واتهمت الأوروبيين بالعمل على تحويل مسؤولية تمويل المناخ بعيداً عن التزاماتها المقررة في اتفاقيات المناخ. ناهيك عن أن بربادوس نفسها تفرض بالفعل ضرائب مكلفة على تذاكر الطيران لدفع مستحقات بناء مطارها الوحيد.

ويقر اللوبي الداعي لفرض ضريبة على وقود الطائرات، بأنه إذا كان من السهل فرض هذه الضريبة على تذاكر الطيران، فإن فرضها على وقود الطائرات أمر شبه مستحيل، فضلاً عن تعقيداته القانونية والسياسية. بهذا المعنى، إذا كان بوسع مفوضية الاتحاد الأوروبي فرض ضريبة على تذاكر الطيران داخل الاتحاد الأوروبي، الذي تشكل رحلاته الجوية الداخلية حوالي 40% من إجمالي حركة طيرانه العالمية، فإن فرض مثل هذه الضريبة على الرحلات الجوية المتجهة إلى خارج بلدان الاتحاد، دونه صعوبات وتعقيدات جمة، ليس أقلها الحصول على موافقة الأطراف الأخرى أولاً لفتح مفاوضات حول هذا الموضوع قبل فرضها. بعض دول الاتحاد الأوروبي، مثل فرنسا، اتخذت خطوات انفرادية في هذا المجال، إذ حظرت الرحلات الجوية الداخلية على الطرق التي يمكن السفر فيها بالقطار في أقل من ساعتين ونصف الساعة.

جديرٌ بالذكر أن اتفاقية شيكاغو الموقعة عام 1944، وما تلاها من اتفاقيات دولية لوضع إطار عمل فاعل لنظام النقل الجوي الدولي، قد أعفت وقود الطائرات من الضرائب، على أساس أن الشركات العاملة في قطاع النقل الجوي تختلف من حيث الاستحقاق الضريبي عن أنواع الشركات الأخرى العاملة عبر الحدود الوطنية. فشركات الطيران تعتمد على استخدام الطائرات التي تحمل وتستهلك كميات كبيرة من الوقود، وتعبر بها مناطق ذات ولاية ضريبية مختلفة، فضلاً عن أن نسبة كبيرة من رحلاتها تتم خارج أية ولاية ضريبية، مثل أعالي البحار. واعتبرت الحكومات حينها أن الضرائب ستكون بمثابة عائق أمام تطور النقل الجوي الذي يلعب دوراً رئيسياً في التعاون والتنمية الدوليين.

لما كان ذلك، لعل من الأجدر لكافة أطراف التفاوض، لاسيما الدول صاحبة المبادرات المناخية الحماسية، أن تتجاوب بإيجابية مع دعوة رئيس مؤتمر الأطراف الحالي، الدكتور سلطان الجابر الذي ستستضيف بلاده مؤتمر الأطراف في نسخته الثامنة والعشرين (COP-28) خلال الفترة من 30 نوفمبر إلى 12 ديسمبر 2023، لكافة الحكومات بتحديث أهدافها المناخية الوطنية بحلول سبتمبر (المنصرم). دول قليلة فعلت ذلك، في حين أن معظم كبار الملوثين في العالم لم يقم حتى الآن بتقديم أهداف مناخية جديدة منذ سنوات. فآخر تحديث قامت به دول الاتحاد الأوروبي لمساهماتها المحددة وطنياً (Nationally determined contributions - NDCs)، كان في ديسمبر 2020، والولايات المتحدة وكندا واليابان والصين في عام 2021. فيما يعود آخر تحديث للمملكة المتحدة إلى عام 2022، إنما من دون أن يتضمن أهدافاً طموحة.

* خبير بحريني في العلاقات الاقتصادية الدولية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3nkk4z38

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"