انتعاش الصين يُغذي العالم

22:21 مساء
قراءة 3 دقائق

دان ستاينبوك *

في الربع الثالث من العام الجاري، نما الاقتصاد الصيني بوتيرة أسرع من المتوقع مقارنة بالعام السابق، رافعاً معه الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنسبة 4.9% على أساس سنوي، متجاوزاً بذلك التوقعات.

ودعم انتعاش الاستهلاك الحاصل هدف النمو الذي حددته الحكومة المركزية للعام بأكمله، والذي يبلغ حوالي 5%، وقد اتضح هذا جلياً على أساس ربع سنوي. ففي الفترة من يوليو/ تموز إلى سبتمبر/ أيلول، نما الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنسبة 1.3%، أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف نسبة الربع الثاني، وأعلى من التوقعات البالغة 1%.

وينعكس جانب من هذا الانتعاش في مبيعات التجزئة القوية، التي ارتفعت من 4.6% في أغسطس/ آب إلى 5.5% في سبتمبر/ أيلول على أساس سنوي. ومقارنة بمستويات ما قبل الجائحة في عام 2019، زادت إيرادات السياحة المحلية والدولية بنسبة 4% و2% على التوالي للفترة نفسها. ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه في أكتوبر/ تشرين الأول، بسبب عطلة منتصف الخريف التي تستمر ثمانية أيام وعطلة العيد الوطني.

علاوة على ذلك، انتعشت أرباح الشركات الصناعية الكبرى في الصين بنسبة 7.7% في الربع الثالث. وعلى الرغم من قلقهم من الرياح العكسية الخارجية والداخلية، عاد المستهلكون الصينيون للإنفاق بقوة، مع فارق بسيط أنهم أصبحوا أكثر تمييزاً ووعياً بالتكلفة.

وإلى جانب الاستهلاك، عزز التحفيز المالي الاقتصاد. فقد نمت استثمارات البنية التحتية وغيرها من استثمارات الدولة بنسبة 6.2% و7.2% على التوالي في سبتمبر، مع تسجيل قطاعي السكك الحديدية وتوليد الكهرباء نمواً من خانتين.

ومؤخراً كذلك، وافقت الصين على إصدار سندات سيادية بقيمة 137 مليار دولار لإعادة بناء المناطق المتضررة من الفيضانات، وتحسين البنية التحتية الحضرية لمواجهة الكوارث الكبرى في المستقبل. كما دعمت استثمارات البنية التحتية والواردات مثل خام الحديد والنفط والنحاس، وهو خبرٌ سار بالنسبة لمُصدري السلع الأساسية إلى الصين.

ومع ذلك، لا يزال التحدي الحقيقي لبكين يكمن في تجاوز سوق العقارات المتعثر. بيد أن التحفيزات الحكومية الحاصلة في القطاع تعتبر من العلامات الواعدة ذات الأثر الإيجابي خصوصاً في المدن الكبرى، مثل شنغهاي وقوانغتشو. وما دامت السلطات قادرة على تقليص المخاطر السلبية وإعادة الثقة إلى أسواق العقارات، سيعود النمو الإيجابي والاستقرار إليها تدريجياً.

ونتيجة للحمائية المضللة والتجاذبات الجيوسياسية من الغرب، تتلقى التجارة والاستثمار العالميان ضربة تلو الأخرى منذ عام 2017. في المقابل، دفعت الصين نحو التعاون الاقتصادي والتنمية على مستوى العالم. وقبل عام واحد، منحت البلاد إعفاءات جمركية لنحو 98% من السلع الخاضعة للضريبة المستوردة من 10 دول من البلدان الأقل نمواً. ومن شأن هذه الخطوة رفع أحجام الواردات للبر الرئيسي، وتسريع التنمية الاقتصادية لتلك الدول.

وتعمل البلاد أيضاً على تعميق العلاقات التجارية والاستثمارية مع الدول الأعضاء في الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، والتي تشكل مصدر ما يقرب من ثلث إجمالي القيمة التجارية للصين.

وعلى نحو مماثل، عملت مبادرة الحزام والطريق، التي تمضي قدماً من جنوب آسيا وأوراسيا إلى أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وإفريقيا، على دعم التعافي الاقتصادي في تلك المناطق.

كما نمت تجارة الصين مع الدول الأعضاء في رابطة «الآسيان» بمعدل أسرع مرتين إلى ثلاث مرات مقارنة بالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وفي ضوء ذلك، من المنتظر أن تساهم الصين بأكثر من 30% من النمو الاقتصادي العالمي في عام 2023، حسبما أكدت كريستالينا جورجيفا، مدير عام صندوق النقد الدولي.

منذ أكثر من عقد من الزمان، التقيت في شنغهاي بهيلموت رايزن، الذي كان آنذاك رئيس الأبحاث في مركز التنمية التابع لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وكان فريقه من بين الأوائل الذين أكدوا أن تأثير نمو الصين في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل قد نما بشكل ملحوظ في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وخلصوا في تقريرهم إلى أن التغير بنسبة 1% في معدلات النمو في الصين من شأنه أن يعزز التوسع بنسبة 0.3% في البلدان المنخفضة الدخل، و0.4% في الاقتصادات المتوسطة الدخل.

بالتالي، إذا نجحت الرياح الخارجية العكسية والمصالح الغربية المضللة والتصعيد الإقليمي بتقليص نمو الصين بنسبة 1%، فإن التأثير السلبي المترتب على ذلك سيكون مدمراً بشكل خاص للاقتصادات الناشئة والنامية.

لاحظ أن تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عن الصين تم إصداره قبل وقت طويل من تعميق بكين لعلاقاتها التجارية مع العالم، عبر شراكات اقتصادية إقليمية شاملة، ومبادرات تنموية وروابط قوية مع دول جنوب شرق آسيا. فما بالك اليوم، وسط الهيمنة الاقتصادية الأكثر رسوخاً للصين، ستصبح هذه التأثيرات، الإيجابية منها والسلبية، بكل تأكيد أشد خطورة وفاعلية.

* (تشاينا ديلي)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/25vskkr8

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"