عادي

الشائعات.. عدو خفي للمجتمعات

22:15 مساء
قراءة 4 دقائق
الشائعات.. عدو خفي للمجتمعات

القاهرة: بسيوني الحلواني

في أوقات الحروب والأزمات والصراعات تكثر الشائعات والأكاذيب والقصص المفبركة، فكيف واجهها الإسلام؟ ولماذا حذر منها؟ وما خطورتها على أمن وسلامة المجتمع والروح المعنوية لأبنائه؟

هنا يوضح عدد من علماء الإسلام تحذيرات الدين الحنيف من الشائعات وفق ما جاء في القرآن الكريم، والحديث الشريف، لما لها من خطورة على المجتمع.

يوضح د. فتحي عثمان الفقي، عضو هيئة كبار العلماء، وعضو لجنة الفتوى المركزية بالأزهر، التوصيف الشرعي، فيقول: «الشائعة» تطلق على الخبر الذي يشاع وينتشر بين الناس، وقد لا يُعلم مَنْ الذي أذاعه، وهي بهذه الطريقة قد تكون حراماً إذا كانت تمس أعراض الناس، كإشاعة الفاحشة، قال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»، وهذا هو حكم الله في الآخرة.

د. فتحي عثمان الفقي

ويضيف: «الشائعة الكاذبة التي تنال من الأعراض في الدنيا عقوبتها الشرعية هي (حد القذف) إن توافرت شروطه، وإلا فالتعزير، كالشائعة التي تضر باستقرار البلد وأمنه وأمانه، وعلى أولي الأمر قطع دابر الشائعات بالطرق المناسبة».

ويقول د. الفقي: «ضرر الشائعات والأكاذيب خطير وعظيم؛ إذ إنها تؤدي إلى إثارة البلبلة في الأفكار، وتضليل الرأي العام، والفتنة بين الناس، وتشويه سمعة الأبرياء»، مؤكداً أن الإسلام لا يقبل اختلاق الأكاذيب، لأن فيها ضرراً، فهو ينهي عن الضرر والضرار، وما يدل على خطورة ذلك أن الله سبحانه وتعالى سَمَّى صاحب الشائعة، وهي الخبر الكاذب، فاسقاً، قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ»، وسمّاه شيطاناً كما ورد في القرآن الكريم حكاية عن نعيم بن مسعود الأشجعي قبل أن يسلم، حيث أراد أن يخذل جيش المسلمين في غزوة بدر، فقال تعالى في شأنه: «إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ»، كما وصف بأنه يحب الشر للناس، كالمرجفين الذين في قلوبهم مرض، وما أكثرهم الآن، وخصوصاً أعداء النجاح والتقدم للمجتمع، ولكن الله زادهم مرضاً، فالذي يحب الشر للناس ليس مؤمناً، كما نص الحديث: «واللهِ لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».

وعن حكم الشرع في الذي يردد الشائعات، يقول د. الفقي: «إطلاق الشائعات والأكاذيب سلوك محرم؛ لإضراره بالناس وبالمجتمع أيضاً، والدليل على ذلك قول الله تعالى: «إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللهِ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ»، وقوله تعالى: «وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً»، وقوله تعالى عن المرجفين: «ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلاً»، ومن السنة: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن دماءكم وأعراضكم وأموالكم عليكم حرام».

وعن فلسفة الإسلام في تحريم الشائعات وتجريم سلوك من يتورط في ترديدها يقول د. علي عثمان شحاتة، رئيس قسم الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر: «الإسلام يؤكد ضرورة نشر الثقة وحسن الظن بين الناس، ويعد ذلك الخلق الرفيع من الآداب التي ترسم للمسلم صورة أخلاقية وسلوكية مثالية على قيم رفيعة، حتى يحظى برضا خالقه أولاً، وثقة كل المحيطين به والمتعاملين معه ثانياً، ومن شأن من يفعل ذلك أن تستقيم حياته، ويؤدي رسالته على الوجه الأكمل، ويسهم بفاعلية في بناء ونهضة مجتمعه، ويواجه بقوة وصلابة كل التجاوزات الأخلاقية التي تشيع سوء الظن بين الناس.

د. علي شحاتة

ويشدد د. شحاتة على ضرورة إشاعة حسن الظن بين الناس، ويقول: «حسن الظن خلق إسلامي رفيع ينبغي أن يلتزم به كل إنسان، حتى يكون عادلاً ومنصفاً، فلا يخون شخصاً أو يتهمه بتهمة دون أدلة دامغة، ومن شأن من يلتزم بهذا الخلق القويم أن يكون محل ثقة وتقدير كل من يتعامل معهم، فحسن الظن يسمو بسلوك الإنسان فوق الصغائر، ويرسم لعلاقته بالناس صورة راقية تغلفها المعاني الإنسانية الرفيعة، فيكون إنساناً متحضراً، قادراً على التعايش والتعاون مع كل المحيطين به، مترفعاً عن الصغائر، متجنباً الرذائل، مجسداً صورة حضارية لدينه، ملتزماً في سلوكه وأخلاقه وتعاملاته مع الناس جميعاً بما كان عليه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الذي قال عنه خالقه «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ».

وعن أهمية إشاعة حسن الظن يؤكد د. شحاتة أن القرآن الكريم من خلال نصوصه الواضحة ينشر حسن الظن، ويعمّق الصلات والعلاقات الإنسانية بين كل أفراد المجتمع لما يترتب على ذلك من منافع ومكاسب للفرد والمجتمع، ومن شيوع للثقة بين الناس جميعاً، لذلك كان شعاره في العلاقات الإنسانية وفي المعاملات «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان»، ولا يمكن أن يتحقق تعاون دون إحسان الظن بالناس، وعدم التسرع في اتهامهم دون أدلة وبراهين إدانة واضحة.

وعن حكم الشرع في الذين يروّجون شائعات تستهدف سمعة الشرفاء، وكيف نجنب مجتمعاتنا مخاطر هذه الرذيلة، يقول عالم الشريعة الإسلامية بجامعة القاهرة د. محمد نبيل غنايم: «لا خلاف على أن الشائعات الكاذبة تستهدف التأثير السلبي في النفوس، والعمل على نشر الاضطراب وعدم الثقة في قلوب الأفراد والجماعات، وهي لا تنتشر إلا في الأمم الضعيفة الهزيلة التي تضعف فيها درجة الوعي، وتتفشى فيها الغفلة، ويسود فيها الغل والحقد والحسد».

د. محمد نبيل غنايم
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/58c446es

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"