جنود الإنسانية في مواجهة الحرب

00:15 صباحا
قراءة دقيقتين

ليس الجندي فقط هو من يستهدف العدو ويستخدم كل المتاح من الأسلحة لقتله أو إبادته بهدف الانتصار عليه بصرف النظر عن مبرراته، ولكن في المعارك جنود من نوع آخر، هدفهم إغاثة المدنيين وإنقاذ المصابين وانتشال المنكوبين من تحت ركام المنشآت.

هم «جنود الإنسانية»، يوجدون في قلب ساحات المعارك، معرضين حياتهم للخطر لأجل أداء رسالة يفرضها عليهم واجبهم المهني والأخلاقي. في حرب غزة التي نتابع مآسيها منذ 44 يوماً، تصدّر المشهد صور أطباء وممرضين يقيمون في المستشفيات بشكل شبه كامل، محاولين إنقاذ المصابين من الموت وتخفيف آلامهم قدر الإمكان، يواجهون التحديات، لا يمنعهم نقص الأدوية والمعدات الطبية والأسرة وازدحام صالات وغرف المستشفيات باللاجئين من أداء رسالتهم، أجروا جراحات دقيقة على أضواء الهواتف النقالة، لم يمنعهم صراخ المصابين من إجراء جراحات من دون تخدير لنفاد مستلزمات التخدير.

أبطال تجاوزوا بأفعالهم القدرات النمطية للأطباء، استقبلوا أبناءهم وأحباءهم جثثاً أو مصابين إصابات بالغة، وواصلوا أداء مهامهم الإنسانية وهم يبكون حزناً، وبعد خروج معظم المستشفيات عن الخدمة ومحاصرتها من كل اتجاه، ظل الأطباء والممرضون بجوار مرضاهم حتى لا يتركونهم في مواجهة الحرب المتوحشة.

المسعفون أيضاً يقاتلون إلى جانب الأطباء ويتنقلون بسيارات الإسعاف بين المناطق المدمرة محاولين نقل ما تيسر لهم من الضحايا إلى المستشفيات، وقد اقترب عدد الشهداء من الأطباء والممرضين والمسعفين إلى مئتين.

رجال الدفاع المدني هم في زمن الحروب جنود المهمات الأصعب لانتشال الجثث من تحت الركام وإنقاذ من يمكن إنقاذهم، وعملوا بأدوات بدائية، وأنقذوا الكثير وعجزوا لضعف الإمكانيات عن إنقاذ الأكثر. الموظفون الدوليون الذين ينتمون إلى المؤسسات الأممية العاملة في غزة، دفعوا هم أيضاً ثمناً باهظاً في الحرب الوحشية وفقد أكثر من مئتين منهم حياتهم وهم يؤدون مهامهم الإنسانية، محاولين توفير أبسط ملامح الحياة للاجئين إلى مدارس الأونروا التي لم تسلم من القصف.

المنظمات الأممية حاولت ولم تستطع لا حماية المدنيين ولا الأطفال، ولا حتى حماية موظفيها. صرخات كبار الموظفين الأمميين وعلى رأسهم الأمين العام للأمم المتحدة لوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات وعدم استهداف المنشآت الأممية والصحية والتعليمية، لم تلق أي رد ولا أي تفاعل. لم تؤكد حرب غزة فقط أن الإعلام هو مهنة البحث عن المتاعب، بل أكدت أنها مهنة السعي وراء الموت بحثاً عن الحقيقة، وعدم السماح للمزيفين بمواصلة تضليل الرأي العام العالمي، فللحقيقة وجه واحد والمضللون يريدونها متعددة الوجوه، والوصول لهذا الوجه يستلزم أحياناً التضحية بالروح، وتجرع كؤوس الألم.

أكثر من 50 إعلامياً فقدوا حياتهم وهم يؤدون واجبهم، بعضهم كان مستهدفاً عن سبق إصرار، وبعضهم قاده الواجب المهني للوجود في مواقع مستهدفة، وبعد أن كانوا ناقلين للخبر أصبحوا هم وأسرهم الخبر. جنود الإنسانية في حرب غزة كانوا وما زالوا هم الأبطال الحقيقيين الذين يسعون لنشر السلام منتصرين لمعنى ومفهوم الإنسانية بكل أوجهها حتى ولو كان الثمن غالياً جداً.. يصل إلى حد الموت.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mwas84dx

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"