أبواق للأكاذيب والشائعات

00:41 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السويجي

لا تستطيع أي دولة، مهما امتلكت من أجهزة متابعة أو مراقبة الإحاطة بما تبثه وسائل الإعلام التقليدية، أو تلك البديلة المتمثلة بوسائل التواصل الاجتماعي أو المواقع الإلكترونية الخاصة والعامة. ولا أعتقد أن من مهامها الرئيسية مراقبة تلك الوسائل، باستثناء الكبيرة والمشهورة منها، ليس لمنعها ولكن لمتابعة رأي الآخر والإحاطة بالسياسات العامة.

ولهذا، فإن الانشغال بمجموعة أبواق اعتادت إطلاق الأكاذيب وتلفيق التصريحات وتحويرها، يُعد مضيعة للوقت. وعلى الرغم من ذلك، فإننا، كمتابعين عامين وحريصين على إصلاح ذات البين ما أمكن، لا نستطيع إخفاء امتعاضنا وأحياناً غضبنا مما يُنشر، ليس بالضرورة ما يتعلق بدولة الإمارات العربية المتحدة، ولكن، ما يُنشر بشكل عام من محتوى سلبي ومضلل وغير حقيقي، هدفه الإبقاء على حالة التوتر داخل الوطن الواحد، أو بين الأقطار العربية، وإذكاء الخلافات بينها، حتى لو اضطر الفاعل إلى اختلاق الشائعات وفبركة التقارير والقصص والمحتوى الإعلامي بشكل خاص. ولا يتوقف الأمر على تسميم العلاقات العربية العربية، ولكن تسميم العلاقات بين الدول العربية وجيرانها أو شمال إفريقيا، أو الشرق الأوسط، هؤلاء هم السرطان الذي يحاول تدمير الجسم الإعلامي العربي، وإشعال الحروب أو خلق التوتر بين دولة عربية وأخرى غير عربية.

وحتى لا يكون حديثنا مجرد ملامسة قشرة الموضوع، سأسوق مثالاً عثرت عليه منذ ثلاثة أيام في صحيفة ذات انتشار واسع، إذ قرأت مقالاً يتحدث صاحبه عن التقارب الخليجي - الإيراني، وذكر السعودية على وجه الخصوص، وقال إن ما يشاع عن تحقيق تقارب بين إيران والسعودية ودول خليجية أخرى هو مجرد تهويمات وأمنيات وتصريحات إعلامية لا أكثر، بل وصف (حقيقة) العلاقة بأنها نار تحت الرماد، وأن حقيقة العلاقات هي ما تصرح به «الأبواق العربية»، وقال: «وهذا ما نراه في تصريحات الأبواق الإيرانية هذه الأيام، خاصة العراقية واللبنانية والسورية واليمنية، فكلها تهاجم العرب بشكل حاد وأكثر خطورة من قبل بكثير، بينما يحاول المسؤولون العرب والإيرانيون الضحك على ذقون الناس بتصريحات ظاهرها حلو وباطنها أمرّ من العلق، ولا ننسى هنا طبعاً أن الإيرانيين سادة التقية السياسية».

طبعاً هذا كلام عام لا يُعتد به، ولكن أن يقول إن الأبواق العربية، وهي الممثل الشرعي والصادق الوحيد للأنظمة العربية، تشيع اليوم أن التقارب العربي الإيراني الأخير، ليس تقارباً حقيقياً، بل هو تكتيكي لإخراج العرب من أي مواجهة قادمة بين الغرب وإسرائيل من جهة، وإيران من جهة أخرى..، فإنه كلام العامة وتحليل الشارع، ولا علاقة له بالتحليل السياسي المنطقي، لأنه يتحدث من قلب يهدف إلى بث الريبة في أي تقارب، إضافة إلى أنه يجعل (الأبواق) الممثل الشرعي الصادق والوحيد للأنظمة العربية، وهو حكم عشوائي غير دقيق وغير صحيح، فالجهات التابعة لهذا البلد أو ذاك، لا يمكن أن تكون الممثل الشرعي والوحيد، كما يصفها. وقد نسي أن ما يقوم به من توصيف عشوائي يجعله بوقاً وأقرب إلى الطابور الخامس، الذي يشيع الفوضى ويلعب على الحبلين، ووظيفته إذكاء الصراع في المنطقة، وكتاباته لا تنم أبداً عن غيرة عربية، وإنما استعراض للتفاهة لا أكثر، كي تتناقل وسائل التواصل الاجتماعي مقالاته.

هذا نموذج واضح وصريح ومكشوف للقاصي والداني، أما النماذج الأخرى فهي منتشرة، إما أنها مستترة وراء أسماء مستعارة أو حسابات مزيفة، أو أنها تقول كلمتها بعشوائية وتمضي، طالما أنها ناجية- كما تعتقد- من المحاسبة. وفي الواقع، هؤلاء، الذين يبثون السموم، يعاملون في زمن الحروب بتهمة الخيانة العظمى، ونعتقد أننا نعيش هذا الزمن بشكل أو آخر، لهذا وجبت محاسبتهم والتنديد بهم وفضحهم.

إن هذه المسماة (حرية التعبير) تتحول إلى حرية تدمير، وهو أمر غير مقبول..

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc44n5cd

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"