الكذب المشروع.. والكذب غير المشروع

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

أحمد مصطفى

في الحروب، والصراعات عامة، تجد من يبرر الكذب على أنه «خداع استراتيجي» بل ومهارة تستهدف النصر. والبعض يرى أن الكذب مشروع إن كان على عدوه بهدف هزيمته، وأنه ممنوع إن كان من عدوه بهدف الانتصار عليه. وليس القصد بالكذب هنا التضليل المعلوماتي والاستخباراتي المقصود والمتعمد بهدف إرباك خطط العدو في الحروب، فهذا جزء من العمل العسكري. وكما يقول المثل «الحرب خدعة».

وقد استعارت السياسة بعضاً من ذلك الكذب في سياق محاولة السياسيين تحقيق المصالح ولو ببعض الالتفاف على الحقيقة. لكنّ تمادي السياسيين في ذلك في العقود الأخيرة جعل عامة الناس تفقد الثقة بالسياسة ونظم الحكم بشكل واضح.

لا يوجد كذب مشروع وكذب مجرّم، فالكذب أبو الشرور، طبعاً إذا استثنينا الخداع المعلوماتي والاستخباراتي في الحروب. وإن كان ذلك ليس «كذباً» بالتعريف الأخلاقي والقانوني.

تلك المقدمة للتعليق على انتقاد أعلى سلطة في أقوى وأكبر دولة في العالم لرجل أعمال عبّر عن رأيه بصراحة وشفافية ودون حسابات مسبقة. فحين يردّ البيت الأبيض، على الملياردير إيلون ماسك، ويحرّض عليه وعلى أعماله، فهذا يعني أن الكذب بلغ مبلغه في هذا العالم، حتى أن الحقيقة تكاد تضيع.

صحيح أنك كرجل أعمال ناجح وتملك أكبر ثروة في العالم لا يجعلك ذلك أذكى شخص في كل شيء، لكن أيضاً لا ينتقص من كونك إنساناً. كل ما فعله ماسك أنه لم يساير الاتجاه العام في الإعلام ومواقع التواصل، مؤمناً ربما بصدق بحق الناس في معرفة الحقيقة، وأن يقرّروا بأنفسهم ما يرونه دون تضليل متعمد.

وبالتالي لم يجعل موقع «إكس» (تويتر سابقاً) الذي يملكه، يحظر أي خبر أو وجهة نظر، حتى لو لم تكن مؤيدة بالمطلق للمجازر الإسرائيلية بحق الأطفال والنساء في غزة. وليس ذلك تضامناً منه مع الفلسطينيين أو غير ذلك، إنما هو معروف بأنه غالباً ما يخالف «التيار السائد»، وليس دوماً ممن يسيرون في ركاب «المؤسسة»، وربما كان ذلك حتى أحد أسباب نجاحه في عالم المال والأعمال.

لكن الواضح أن إسرائيل ومؤيديها بدأوا ينزعجون من خسارة معركة الإعلام والتضليل المعلوماتي للناس حول العالم، وأن ذلك أدى إلى تراجع التعاطف معها بما يبرر ارتكابها جرائم ضد الإنسانية في غزة. ربما مشكلة إيلون ماسك، حتى وإن لم يقصد، أنه حاول أن يكون أعور في مملكة عميان، فانهال الجميع ضرباً له على بقايا عين سليمة؛ كي يصبح مثلهم. ليس هذا دفاعاً عن ماسك، الذي له آراء تتسم بالشطط أحياناً، وإنما فرصة لتوضيح أن الكذب الذي يعتبره البعض مشروعاً ليس إلا جرماً ينتهك معايير الأخلاق، وربما يعاقب عليه القانون. صحيح أن تلفيق الحقائق في الحروب لا يقتصر على طرف، بل يمارسه كل أطرافها، لكن تظل الوقائع التي يشاهدها العالم عما تفعله إسرائيل بالفلسطينيين من مجازر بحق المدنيين الأبرياء فيصلاً أساسياً بين الكذب والحقيقة. ولأن اسرائيل بالغت في الكذب والتضليل فكان انكشافها أكثر ضرراً لها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2s3t3f2p

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"