الحزام والطريق بخصائص إيطالية

21:37 مساء
قراءة 4 دقائق

سيمون دوسي*
انضمت إيطاليا إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية في مارس/آذار 2019، عندما تم التوقيع على مذكرة التفاهم في روما بين رئيس الوزراء الإيطالي السابق جوزيبي كونتي والرئيس الصيني شي جين بينغ. اليوم، وبعد أقل من خمس سنوات، تخاطر المبادرة برمتها بالتحول إلى فشل كبير في سياسة روما الخارجية.

وجدير بالذكر أن مذكرة التفاهم هذه يتم تمديدها تلقائياً في مارس 2024، ما لم يتم إنهاؤها من قبل أي من الطرفين قبل ثلاثة أشهر على الأقل. ومع اقتراب الموعد النهائي، من المتوقع أن تعلن حكومة رئيسة الوزراء الحالية جيورجيا ميلوني قرارها قريباً. وتشير التعليقات التي أدلى بها أعضاء الحكومة بخصوص المشاركة الإيطالية الباهتة في مبادرة الحزام والطريق إلى أن روما ربما تستعد للانسحاب منها.

في عام 2019، اتخذت حكومة كونتي قرار الانضمام للمبادرة الصينية وسط مناخ سياسي ساخن وغامض، وتعايشت داخل أروقة الحكومة الإيطالية نفسها وجهات نظر مختلفة، حيث الفريق القوي المؤيد للصين، والممثل بحركة «خمس نجوم»، يتصارع مع الأحزاب المناهضة تقليدياً لها.

وكان الدفع القوي نحو الانخراط في معاهدة الحزام والطريق من الآلة البيروقراطية الإيطالية أيضاً، التي كانت على دراية بإمكانياتها قبل وقت طويل من وصول حكومة كونتي الأولى إلى السلطة.

وفي هذا السياق، كان قرار التوقيع على المذكرة بمثابة «رهان تكتيكي» من روما. ولكن، نظراً لافتقارها إلى الموارد اللازمة لمعالجة القضايا العالقة منذ فترة طويلة مع الصين بشكل فعال، وأبرزها التدفقات التجارية غير المتوازنة، توصلت الحكومة الإيطالية آنذاك إلى صفقة عرضت بموجبها على الصين أكثر شيء تتمناه، وهو الاعتراف بمبادرة الحزام والطريق من قبل أحد أعضاء مجموعة السبع، في مقابل ضمان بكين لعلاقات اقتصادية أكثر توازناً معها.

ومع ذلك فإن عدم التنسيق المتأصل جعل هذه المراهنة محفوفة بالمخاطر. لأنه بينما كان الأساس المنطقي وراء الصفقة بالنسبة لإيطاليا اقتصادياً في الغالب، كان بالنسبة للصين سياسياً إلى حد كبير. وهو ما جنته بكين بالفعل من خلال ضمانها اعترافاً سياسياً مباشراً كانت تنشده، في حين أن العلاقات التجارية الثنائية الأكثر توازناً، والتي سعت روما إلى تحقيقها، كانت منوطة بالمستقبل دون مكاسب لحظية.

اليوم وبعد مرور كل هذا الوقت على توقيع المعاهدة، نستنتج أن رهان إيطاليا عليها كان خاسراً. فمن ناحية، كانت تكاليف الانضمام التي دفعتها الأخيرة أكبر مما كان متوقعاً في الأصل. فبعد تعرضها لانتقادات من واشنطن وبروكسل، أصبحت مشاركة إيطاليا في المبادرة الصينية في بؤرة التدقيق مع تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة والصين بسرعة، وتركيز الاتحاد الأوروبي المتزايد على التنافس النظامي معها. ومن الواضح أن حكومة كونتي استخفت بحجم التغيرات التي كانت تحدث في المناقشات السياسية بشأن الصين في كل من الولايات المتحدة وأوروبا.

ومن ناحية أخرى، لم تكن روما قادرة، وربما غير راغبة أيضاً، في جني بعض الفوائد المتوقعة أصلاً من مذكرة التفاهم، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالعلاقات التجارية. وهنا كان للتطورات الخارجة عن سيطرة البلد الأوروبي تأثير سلبي كبير.

والجدير بالذكر أن جائحة كوفيد أحبطت كذلك التوقعات بأن طفرة السياح الصينيين قد تؤدي إلى آثار إيجابية غير مباشرة على الاقتصاد الإيطالي ككل. ولكن هذا كان فقط جزءاً من القصة، فلكي تتحقق إعادة التوازن في العلاقات التجارية، تحتاج إيطاليا إلى الاستفادة من مذكرة التفاهم هذه والانخراط في مباحثات واجتماعات مع مجموعة واسعة من الأفراد والشركات الصينية.

ومع ذلك، ولتخفيف الأضرار في مواجهة حلفائها، ووسط وجهات نظر سلبية متزايدة تجاه الصين بين النخبة السياسية الإيطالية، خففت روما من زخم مشاركتها في مبادرة الحزام والطريق.

وبعد بضعة أشهر من توقيع المذكرة، انهارت حكومة كونتي الأولى وحلت محلها حكومته الثانية، التي ضمّت حزباً ديمقراطياً حريصاً على النأي بنفسه بعيداً عن مبادرة الحزام والطريق. وفي فبراير/شباط 2021، جاءت حكومة رئيس الوزراء ماريو دراجي، الذي كان موقفه البارد تجاه الصين واضحاً منذ خطاب التنصيب.

في المجمل، دفعت إيطاليا التكاليف السياسية لانضمامها إلى مبادرة الحزام والطريق، وبفاتورة أكبر مما كان متوقعاً على ما يبدو، في حين لم يتم جني الفوائد الاقتصادية بالكامل، ويرجع ذلك جزئياً إلى عوامل خارجة عن سيطرة إيطاليا نفسها، ولعدم رغبتها كذلك في الاستثمار سياسياً في المبادرة.

وإذا تم اتخاذ القرار في نهاية المطاف بإنهاء مذكرة التفاهم، فلابد من توقع تكاليف إضافية، إما في هيئة رد فعل صيني قاس، أو على نحو أكثر تفاؤلاً، في هيئة موقف أكثر بروداً من جانب بكين. وفي كلتا الحالتين، ستخرج إيطاليا من المبادرة بعلاقات مع الصين أسوأ مما كانت عليه قبل عام 2019، مع مسار قد يحمل كل مكونات الفشل السياسي والاقتصادي للبلاد. فشل ذو خصائص إيطالية.

ومن هذه الخصائص عدم استقرار حكومي يجعل من الصعب على روما التخطيط للسياسات وتنفيذها بعناية؛ بالإضافة إلى بيئة إعلامية شديدة الاستقطاب قد لا تفضي إلى مناقشة صحية حول الصين والشؤون الدولية؛ وتفتقر إلى رؤى طويلة المدى لمستقبل البلاد، وهو ما يعقد قدرة إيطاليا على الإبحار في بيئة دولية سريعة التحول.

*أستاذ مشارك في العلاقات الدولية في جامعة ميلانو

* منتدى شرق آسيا

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3ys68kbk

عن الكاتب

أستاذ مشارك في العلاقات الدولية في جامعة ميلانو

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"