لا بأس من تكرار القول إن السِّفر الجميل للشاعر رسول حمزاتوف: «داغستان بلدي»، سِفر لن تملّ من العودة إليه أو إلى بعض أجزائه أو صفحاته أو فقراته، حتى لو كنت قد قرأتها من قبل مراراً لا مرة واحدة. في كل عودة إليه ستكتشف جديداً، حتى لتكاد تسأل نفسك: لماذا لم أنتبه إلى هذا من قبل؟ كتاب يمكن أن تقرأه في الصيف أو في الشتاء، في الحل أو الترحال، في الليل أو النهار، ولن تندم أبداً أن قراءته أخذت منك وقتاً طويلاً، فعدد صفحاته يُقارب الستمئة صفحة، ومن المحال أن يُقرأ دفعة واحدة، ثم يوضع على رف المكتبة ويُنسى. كتاب مثله لا يُنسى، وحتى لو كان مزاجك لحظة العودة إليه غير رائق، فإنه كفيل بتحسين هذا المزاج. ستسحرك فيه عبارة أو عبارات، ستستوقفك فيه حكمة، ستسليك فيه حكاية. إنه، في كلمات، كتاب كُتِب ليعيش.
حين أنجز حمزاتوف الكتاب، انتابته الشكوك حول ما كتب. هل سيلقى الكتاب الرضا من الناس الذين كان يهمه أن يقرؤوه: «كيف سيُستقبل؟ بالشتائم أم بالكلمات الحانية؟»، مشبهاً الكتاب بسجادة تمّ صنعها، وفردت كي يراها الجميع كلها دفعة واحدة. «إني أرى كثيراً من الخيوط الملتوية والرسوم غير المنتظمة، والوشي المبهم»، هكذا قال حمزاتوف واصفاً كتابه – سجادته، التي رأى فيها زخرفة غير دقيقة ومتعرجة هنا أو هناك، «لكن لم يعد في وسعي الآن أن أصحح هذه الأخطاء، فقد تمّ صنع السجادة، وحتى أصحح أي دقيقة من دقائقها مهما تكن صغيرة، لا بدّ من فكّ السجادة كلها».
عامان أنفقهما حمزاتوف في كتابة «بلدي». وتخيّل نفسه راكباً حصانه عائداً إلى شارع قريته الصغير، ويقول لكل من يلقاه: «السلام عليكم يا جماعة»، فيردون عليه: «وعليكم السلام يا رسول بن حمزة، كيف كان تطوافك، ألم تتعب؟ ما غنائمك؟ وماذا في قدورك؟». كان بوده أن يقول للناس لحظتها إنه يحمل معه كتاباً جديداً لهم، لكن الكتاب شيء لا يجوز أن يوضع بين أيدي أهل القرية أو بين يدي أي كان. يجب أن يوضع بين يدي الناشر أولاً، وهو يقرر مصيره.
حين قصد الناشر استلم المخطوط منه. رازه بيديه وقلّبه يمنة ويسرة، ثم تصفحه قليلاً. ألقى نظرة على الصفحة الأولى، ثم انتقل مباشرة إلى الصفحة السبعين ثم إلى آخره، قبل أن يضع المخطوط جانباً، ويقول: «قد يكون كتابك جيداً، لكن خططنا للعامين القادمين قد أُقرّت وكتابك غير مدرج فيها».
ردّ حمزاتوف: وأنا أيضاً لم يكن الكتاب في خطتي. لقد أتى فجأة!
[email protected]
https://tinyurl.com/bde5m3e4