عادي
«الشارقة للآثار» يحتضن قطعاً ترصد الوحدة الثقافية الخليجية

«ترابط وتواصل».. متعة السرد التاريخي لحضارة المنطقة

23:14 مساء
قراءة 4 دقائق
معرض ترابط وتواصل بالشارقة/تصوير محمد الطاهر

الشارقة: مها عادل

يحتضن متحف الشارقة للآثار معرض «ترابط وتواصل» بنسخته السابعة، والذي يجسد رحلة طويلة وممتعة في تاريخ الجزيرة العربية، وجغرافيتها وملامح حضارتها، ويضم العديد من القطع الأثرية التي يرصد من خلالها التاريخ المشترك، والوحدة الثقافية والحضارية، والعلاقات العميقة بين دول مجلس التعاون الخليجي، وبينها وبين الإمارات. ويتضمن المعرض الذي يتواصل حتى 22 فبراير/ شباط المقبل، سرداً شيّقاً لتاريخ المنطقة عبر وسائط متعددة، من بينها قسم المسار البصري الذي يقدم مجموعة من القطع الأثرية من ست دول، هي الإمارات، والبحرين، والسعودية وسلطنة عمان وقطر والكويت.

تظهر المقتنيات التي تنوعت بين الأسلحة البدائية والحلي المستمدة من كنوز الطبيعة والأواني الحجرية والفخارية، باختلاف أشكالها، على مرّ العصور، كيف أن الترابط والتواصل بين دول المجلس يمتد إلى أعماق التاريخ المشترك الذي ربط بين هذه الشعوب برباط لم ينفصم على مر الزمان.

معرض ترابط وتواصل بالشارقة/تصوير محمد الطاهر

العصر الحجري

ينقسم المعرض أجزاء عدة، أولها العصر الحجري، حيث تشير الأدوات الحجرية المكتشفة من أسلحة وأوانٍ حجرية، إلى أن الجماعات البشرية المتنقلة القديمة جابت أنحاء شبه الجزيرة العربية منذ أكثر من 130 ألف عام، حين كان المناخ معتدلاً، واصطادت الحيوانات، وجمعت الثمار.

وتروي القطع الأثرية التي يعرضها هذا القسم قصة الجماعات البشرية التي استوطنت الجزيرة العربية، حيث استمر إنسان العصر الحجري الحديث في ممارسة الصيد البري قبل ما يزيد على سبعة آلاف عام، وصنع رؤوس السهام والمكاشط من الأحجار، ورعي قطعان الماعز في سفوح الجبال والأودية الداخلية، كما اصطاد الأسماك والرخويات والسلاحف من الخليج العربي، واستفاد من عظامها ومن اللؤلؤ والعقيق في صنع الحلي، وهو ما نجده ضمن مقتنيات المعرض، مثل أدوات الصيد، والأسلحة، والأدوات الخزفية والحجرية، وقطع الزينة، والأختام، والأدوات الزراعية.

الصورة

وتخبرنا هذه الأدوات الكثير عن العلاقات التي نشأت بين المجموعات البشرية التي عاشت في المنطقة، وكيف أنها تكاملت وتعاونت معاً، وكانت قادرة على التواصل والتبادل الثقافي والتجاري لتصنع دوراً محورياً لشبه الجزيرة العربية، كمركز للمستوطنات البشرية والثقافة والتجارة عبر العصور المختلفة.

وتظهر الاكتشافات الأثرية التي تم العثور عليها في العديد من أماكن التنقيب الأثري في الشارقة والإمارات وقطر والبحرين والكويت والسعودية تشابه أنماط الحياة وتكاملها، واستفادة المنطقة في العصر الحجري الحديث من الصلات والروابط مع بلاد ما بين النهرين في تبنّي ممارسات وتقاليد جديدة من بينها استئناس الأغنام والماعز والماشية، واستخدام الفخار الملون، إضافة إلى بعض طرق الدفن.

الصورة

الحديدي والبرونزي

يمتد خيط الزمن بين المعروضات لتصل إلى العصر الحديدي، ثم البرونزي، ونشهد كيف أدت مراحل تطور الزراعة في الألفية الثالثة قبل الميلاد إلى دفع عجلة التقدم في المنطقة، ويعتقد أن أول المحاصيل الزراعية التي وصلت إلى المنطقة كانت القمح والشعير والذرة، قادمة من بلاد ما بين النهرين وسوريا، وقد تزامن ذلك مع استخدام المعادن في صناعة الأدوات والمحاريث، ولأن صناعة المعادن تحتاج إلى عمل جماعي يتضمن التنقيب، ثم التصنيع في ورش، والحصول على مهارات وتقنيات متقدمة لم يكن يعرفها إنسان العصر الحجري، فقد ارتبط العثور على هذه القطع الأثرية، بدلائل على نشوء حضارات محلية متطورة مثل دلمون في البحرين، وأجزاء من السعودية، والكويت، والإمارات وعمان، حيث نشأت المستوطنات السكنية بعد قيام الزراعة في الواحات والأودية وتطورت الحرف اليدوية وظهرت شبكات تجارية متطورة بين تلك المستوطنات، وبينها وبين بلاد ما بين النهرين، وبلاد السند، مستغلة وقوع المنطقة على الطريق الواصل بينها.

ويروي المعرض بداية ظهور الممالك العربية القديمة على امتداد طرق التجارة الرئيسية، الأمر الذي أدى إلى تشكيل هوية عربية فريدة، منذ نحو 3000 عام، حيث شهد هذا العصر تطورات في الكتابة والصناعة والهندسة المعمارية.

ما قبل الإسلام

تمتد القصة التي ترويها الاكتشافات الأثرية عصراً بعد آخر، لتصل إلى مرحلة ما قبل ظهور الإسلام، حيث ظهرت التأثيرات الهلينستية على القطع الأثرية المكتشفة بتأثير رحلة الغزو والاستكشاف التي قادها الإسكندر المقدوني، عبر ممالك العالم القديم، وظهرت حركة تجارة نشطة عبر الخليج العربي، لتربط بين أجزاء العالم الهلينستي الذي امتد من الهند إلى حوض البحر المتوسط.

وتوجد ملامح هذه الفترة واضحة في العديد من القطع الأثرية والكتابات اليونانية التي تم العثور عليها في منطقة فيلكا بالكويت، وبعض هذه القطع يرجع إلى ما قبل عصر الإسكندر الأكبر، وظهرت نصوص كتابية بخط المسند الجنوبي، وبعضها كتبت بلهجة محلية أطلق عليها الباحثون «الحسائية»، كما ظهرت دلالات على وجود بعض القبور التي دفنت فيها الجمال مع أصحابها.

العصر الإسلامي

محطة العصر الإسلامي في المتحف تروي حكاية انتشار الإسلام في كامل الجزيرة العربية، وتحقق وحدتها للمرة الأولى، وكيف انتقل الكثير من أبناء القبائل العربية إلى المناطق التي فتحها المسلمون في الشام والعراق وفارس ومصر والمغرب، وحتى الأندلس.

وعلى الرغم من انتقال العاصمة إلى الشام، ثم العراق، إلا أن الكثير من أماكن الجزيرة العربية شهدت ازدهاراً ملحوظاً في قرون الإسلام الأولى، كتلك التي تقع على طريق الحج وطرق التجارة البرية، ومنها محطات درب زبيدة، وموقع الربذة وفيد، وكيف برزت جدة كميناء أساسي للتجارة واستقبال الحجاج حتى وقتنا الحاضر، وتسرد جدران المعرض كيف كان للموانئ في الشرق والجنوب الشرقي، دوراً كبيراً بعد انتقال الخلافة لبغداد، حيث ازدهر طريق التجارة من البصرة إلى الهند والصين عبر الخليج العربي فازدهرت دبا، وجميرا، والبحرين، وصحار، وكاظمة، وموانئ الأحساء.

تجار شبه الجزيرة العربية

نمت مروب وجلفار ومسقط، وكان لسيطرة تجار شبه الجزيرة العربية على التجارة في شبه الجزيرة العربية دور كبير في نشر الإسلام على طول سواحل إفريقيا الشرقية، والهند، ووصل بعضهم إلى كانتون في الصين، ومن أهم السلع التي تاجروا فيها، الفخار والتوابل والعاج الإفريقي، وقواقع السلاحف، وقرون وحيد القرن، وجلود النمور، والأدوية والعطور والبخور، وانعكس ذلك على القطع الأثرية المعروضة التي تعود لهذا العصر، حيث يوجد العديد من الأواني الخزفية التي كانت تستخدم في حفظ العطور، وقطع من الجص المزخرف والجرار وقطع من الزجاج الملون.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/57nh789j

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"